للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ. في هذا الخصام قولان: أحدهما: أنه اعتذارهم بغير عذر، قاله ابن عباس. والثاني: أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أغوَوْهم، قاله أبو العالية. فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، فلا يجوز أن يُهمَل، لأنه يوم التناصف.

قوله تعالى: وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: قد أخبرتُكم على ألسُن الرُّسل بعذابي في الآخرة لمن كفر. ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فيه قولان: أحدهما: ما يبدَّل القول فيما وعدتُه من ثواب وعقاب، قاله الأكثرون. والثاني: ما يُكذَّب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته، لأنِّي أعْلَمُ الغيب وأعْلَمُ كيف ضلُّوا وكيف أضللتموهم، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة، ويدل عليه أنه قال تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ولم يقل: ما يُبَدَّل قولي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فأَزيدَ على إساءة المُسيء، أو أنقص من إحسان المحسن.

[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٠ الى ٤٠]

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر وحمزة، والكسائي: «يومَ نقول» بالنون المفتوحة وضم القاف. وقرأ نافع، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم: «يومَ يقول» بالياء المفتوحة وضم القاف. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «يومَ يُقال» بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف. قال الزجاج: وانتصاب «يومَ» على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يُبدَّل القولُ لديَّ في ذلك اليوم. والثاني: على معنى: وأَنْذِرْهم يومَ نقولُ لجهنم.

فأمّا فائدة سؤاله إيّاها، وقد عَلِم هل امتلأتْ أم لا، فإنه توبيخ لمن أُدْخِلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ «١» .

وفي قولها: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قولان عند أهل اللغة: أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلئ؟ أي: قد امتلأتُ. والثاني: أنها تقول تغيُّظاً على من عصى اللهَ تعالى، وجَعَلَ اللهُ فيها أن تميِّز وتخاطِب، كما جَعَلَ في النّملة أن قالت: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٢» ، وفي المخلوقات أن تسبِّح بحمده.

قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ اي قًُرِّبَتْ للمُتَّقين الشركَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي جُعلتْ عن يمين العرش حيث يراها أهلُ الموقف، ويقال لهم: هذا الذي ترونه ما تُوعَدُونَ، وقرأ عثمان بن


(١) الأعراف: ١٨.
(٢) النمل: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>