للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن، ومقاتل، ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا، قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «١» فقيَّد النظر إليه بالقيامة، وأطلق في هذه الآية، والمطلق يحمل على المقيد. وقوله تعالى:

وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فيه القولان: قال الزجاج: وفي هذا الإعلام دليل على أنَّ خَلْقَه لا يدركون الأبصار، أي: لا يعرفون حقيقة البصر، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه، دون أن يبصر من غيرهما من أعضائه فأعلم الله أن خلقاً من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه، ولا يحيطون بعلمه فكيف به عزّ وجلّ؟! فأما «اللطيف» ، فقال أبو سليمان الخطابي: هو البرّ بعباده، الذي يلطف لهم من حيث لا يعلمون، ويسبِّب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون. قال ابن الاعرابي: اللطيف: الذي يوصل إليك أرَبَك في رِفق ومنه قولهم: لطف الله بك ويقال: هو الذي لَطُفَ عن أن يُدرَك بالكيفية.

وقد يكون اللطف بمعنى الدقة والغموض، ويكون بمعنى الصغر في نعوت الأجسام، وذلك مما لا يليق بصفات الباري سبحانه. وقال الأزهري: اللطيف من أسماء الله، معناه: الرفيق بعباده والخبير: العالم بكنه الشيء، المطّلع على حقيقته.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٤]]

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤)

قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ البصائر: جمع بصيرة، وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به. قال الزجاج: والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ نفع ذلك وَمَنْ عَمِيَ فعلى نفسه ضرر ذلك، لأن الله عزّ وجلّ غني عن خلقه. وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ والوكيل، وهذا قبل الأمر بالقتال.

(فصل:) وذكر المفسرون أن هذه الآية نسخت بآية السيف. وقال بعضهم: معناها: لست رقيباً عليكم، أحصي أعمالكم فعلى هذا لا وجه للنّسخ.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٥]]

وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥)

قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ قال الأخفش: وَكَذلِكَ معناها: وهكذا. وقال الزجاج: المعنى: وَمِثْلُ ما بيَّنَّا فيما تُلي عليك، نُبيِّن الآيات، قال ابن عباس: نصرِّف الآيات، أي نبيِّنها في كل وجه، ندعوهم بها مرَّة، ونخوفهم بها أُخرى. وَلِيَقُولُوا يعني أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن «دارست» . قال ابن الانباري: معنى الآية: وكذلك نصرف الآيات، لنلزمهم الحجة، وليقولوا:

دارست وإنما صرّف الآيات ليسعد قوم بفهمها والعمل بها، ويشقى آخرون بالإعراض عنها فمن عمل بها سعد، ومن قال: دارست، شقي. قال الزجاج: وهذه اللام في «ليقولوا» يسميها أهل اللغة لام الصيرورة. والمعنى: أن السّبب الذي أدّاهم إلى أن يقولوا: دارست!، هو تلاوة الآيات، وهذا كقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً «٢» وهم لم يطلبوا بأخذه أن يعاديهم، ولكن كان عاقبة الأمر أن صار لهم عدواً وحزناً. ومثله أن تقول: كتب فلان الكتاب لحتفه، فهو لم يقصد أن يُهلك نفسه بالكتاب. ولكن العاقبة كانت الهلاك. فأما «دارست» فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «دارست»


(١) سورة القيامة: ٢٢- ٢٣.
(٢) سورة القصص: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>