للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدَّر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد. والثاني: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء. والثالث: قَدَّر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدي. والرابع:

قَدَّرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر لإتيان الأنثى، قاله مقاتل. والخامس: أن المعنى: قدَّر فهدى وأضل، فحذف «وأضل» ، لأن في الكلام دليلا عليه، حكاه الزجاج. والسادس: قَدَّر الأرزاق، وهدى إلى طلبها. والسابع: قَدَّر الذنوب، وهدى إلى التوبة، حكاهما الثّعلبيّ.

قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أي: أنبت العشب، وما ترعاه البهائم فجعله: بعد الخضرة غُثاءً قال الزجاج، أي: جفَّفه حتى جعله هشيماً جافاً كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل. وقد بيّنّا هذا في سورة المؤمنون «١» . فأمّا قوله عزّ وجلّ: أَحْوى فقال الفراء: الأحوى: الذي قد اسود من القِدَم، والعتق، ويكون أيضاً: أخرج المرعى أحوى: أسود من الخضرة، فجعله غثاءً كما قال عزّ وجلّ: مُدْهامَّتانِ «٢» .

قوله عزّ وجلّ: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى قال مقاتل: سنعلِّمك القرآن، ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبداً.

قوله عزّ وجلّ: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: إلا ما شاء الله أن تنساه ثم تذكره بعد. حكاه الزّجّاج. والثالث: أنه استثناء ألّا يقع، قال الفرّاء: لم يشأ أن ينسى شيئاً، فإنما هو كقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ «٣» ، ولا يشاء.

قوله عزّ وجلّ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ من القول والفعل وَما يَخْفى منهما وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى أي:

نُسهِّل عليك عمل الخير فَذَكِّرْ أي: عظ أهل مكة إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى وفي «إن» ثلاثة أقوال: أحدها:

أنها الشّرطية، ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: أن قبلت الذّكرى، قاله يحيى بن سلام. والثاني:

إن نفعت وإن لم تنفع، قاله علي بن أحمد النيسابوري. والثاني: أنها بمعنى «قد» ، فتقديره: قد نفعت الذكرى، قاله مقاتل. والثالث: أنها بمعنى «ما» فتقديره: فذكر ما نفعت الذّكرى، حكاه الماورديّ.

قوله عزّ وجلّ: سَيَذَّكَّرُ أي سيتّعظ بالقرآن مَنْ يَخْشى الله يَتَجَنَّبُهَا

ويتجنب الذكرى الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أي: العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى حياة تنفعه. وقال ابن جرير: تصير نفس أحدهم في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.

[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١٤ الى ١٩]

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨)

صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)

قوله عزّ وجلّ: قَدْ أَفْلَحَ قال الزجاج: أي: صادف البقاء الدائم، والفوز مَنْ تَزَكَّى فيه خمسة أقوال: أحدها: من تطهَّر من الشرك بالإيمان، قاله ابن عباس. والثاني: من أعطى صدقة الفطر، قاله أبو سعيد الخدري، وعطاء، وقتادة. والثالث: من كان عمله زاكياً، قاله الحسن، والربيع. والرابع: أنها


(١) المؤمنون: ٤١.
(٢) الرحمن: ٦٤.
(٣) هود: ١٠٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>