للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ يعني: المؤمنين والكافرين، فيجازي الكلّ.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٧]]

وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧)

قوله تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قال ابن عباس: نزلت في رؤساء قريش.

و «لولا» : بمعنى «هلاّ» وقد شرحناها في سورة النساء.

وقال مقاتل: أرادوا بالآية مثل آيات الأنبياء. وقال غيره: أرادوا نزول ملك يشهد له بالنبوَّة.

وفي قوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ثلاثة أقوال: أحدها: لا يعلمون بأنّ الله سبحانه وتعالى قادر على إنزال الآية. والثاني: لا يعلمون ما عليهم من البلاء في إنزالها، لأنهم إن لم يؤمنوا بها، زاد عذابهم. والثالث: لا يعلمون المصلحة في نزول الآية.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٨]]

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)

قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس: يريد كل ما دبَّ على الأرض. قال الزجاج:

وذكر الجناحين توكيد، وجميع ما خُلق لا يخلو إما أن يدبّ، وإمّا أن يطير.

وقوله تعالى: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ قال مجاهد: أصناف مصنفة. وقال أبو عبيدة: أجناس يعرفون الله ويعبدونه. وفي معنى «أمثالكم» أربعة أقوال: أحدها: أمثالكم في كون بعضها يفقه عن بعض، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: في معرفة الله، قاله عطاء. والثالث: أمثالكم في الخلق والموت والبعث، قاله الزجاج. والرابع: أمثالكم في كونها تطلب الغذاء، وتبتغي الرزق، وتتوقَّى المهالك، قاله ابن قتيبة. قال ابن الانباري: وموضع الاحتجاج من هذه الآية أن الله تعالى ركَّب في المشركين عقولاً، وجعل لهم أفهاما ألزمهم بها أن يتدبَّروا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم ويتمسكوا بطاعته، كما جعل للطير أفهاما يعرف بها بعضها إشارة بعض، وهدى الذَّكَرَ منها لإتيان الأنثى، وفي كل ذلك دليل على نفاذ قدرة المركب ذلك فيها.

قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ في الكتاب قولان: أحدهما: أنه اللوح المحفوظ.

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب، وإلى هذا المعنى ذهب قتادة، وابن زيد. والثاني: أنه القرآن. روى عطاء عن ابن عباس: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم.

فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبيناه في الكتاب، إما نصاً، وإما مجملاً، وإما دلالة، كقوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ «١» أي: لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين.

قوله تعالى: ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ فيه قولان «٢» : أحدهما: أنه الجمع يوم القيامة.


(١) سورة النحل: ٨٩.
(٢) قال الطبري في «تفسيره» ٥/ ١٨٨: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كل دابة وطائر محشور إليه، وجائز أن يكون معنيا بذلك حشر القيامة، وجائز أن يكون معنيا به حشر الموت، وجائز أن يكون معنيا به الحشرات جميعا، ولا دلالة في ظاهر التنزيل، ولا في خبر الرسول صلى الله عليه وسلم أي ذلك المراد بقوله ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ إذ كان (الحشر) في كلام العرب الجمع، من ذلك قول الله تعالى ذكره جامعا خلقه إليه يوم القيامة، وجامعهم بالموت، كان أصوب القول في ذلك أن يعم بمعنى الآية ما عمه الله بظاهرها. وأن يقال: كل دابة وكل طائر محشور إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة، إذ كان الله تعالى ذكره قد عم بقوله: «ثم إلى ربهم يحشرون» ولم يخصص به حشر دون حشر. فإن قال قائل: فما وجه قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بجناحيه وهل يطير الطائر إلا بجناحيه فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟ قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى ذكره أنزل هذا الكتاب بلسان قوم، وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم. فإذا كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: (كلمت فلانا بفمي) ، و (مشيت إليه برجلي) و (ضربته بيدي) خاطبهم الله تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم، ويستعملونه في خطابهم، ومن ذلك قوله تعالى ذكره: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [ص: ٢٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>