للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعزَّ، فينقضون حِلف هؤلاء ويحالفون أولئك، فنُهوا عن ذلك! وقال الفراء: المعنى: لا تغدِروا بقوم لقلَّتِهم وكثرتكم، أو قِلَّتكم وكثرتهم وقد غرَّرتموهم بالأَيمان.

قوله تعالى: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ في هذه الآية ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى الكثرة، قاله سعيد بن جبير، وابن السائب، ومقاتل، فيكون المعنى: إِنما يختبركم الله بالكثرة، فاذا كان بين قومين عهد فكثر أحدهما، فلا ينبغي أن يفسخ الذي بينه وبين الأقلِّ. فان قيل: إِذا كنى عن الكثرة، فهلاّ قيل بها؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري. بأن الكثرة ليس تأنيثها حقيقياً، فحملت على معنى التذكير، كما حملت الصيحة على معنى الصياح. والثاني: أنها ترجع إِلى العهد، فانَّه لدلالة الأَيمان عليه، يجرى مجرى المظهر، ذكره ابن الأنباري. والثالث: أنها ترجع إِلى الأمر بالوفاء، ذكره بعض المفسرين.

قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً قد فسرناه في آخر هود «١» .

قوله تعالى: وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ صريح في تكذيب القَدَرية، حيث أضاف الإِضلال والهداية إليه، وعلّقهما بمشيئته.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦)

قوله تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا هذا استئناف للنهي عن أيمان الخديعة. فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها قال أبو عبيدة: هذا مَثَل يقال لكل مبتَلَىً بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلّت به قَدَمه. قال مقاتل: ناقض العهد يَزِلُّ في دينه كما تَزِلُّ قَدم الرَّجُل بعد الاستقامة. قال المفسرون: وهذا نهي للذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام ونصرة الدين عن نقض العهد، ويدلّ عليه قوله تعالى:

وَتَذُوقُوا السُّوءَ يعني: العقوبة بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يريد أنهم إِذا نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدَّوا الناس عن الإِسلام، فاستحقُّوا العذاب.

وقوله تعالى: وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني: في الآخرة. ثم أكد ذلك بقوله: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.

(٨٦٥) قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في رجُلين اختصما إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، يقال لأحدهما: «عِيدان بن أشوع» وهو صاحب الأرض، وللآخر: «امرؤ القيس» وهو المدعى عليه، فهمّ امرؤ القيس أن يحلف، فأخّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.


عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وراوية أبي صالح هو الكلبي، وتقدم أن هذا إسناد ساقط، وتقدم في سورة النساء بسياق آخر صحيح، فالخبر بذكر نزول هذه الآية، ليس له أصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>