للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة قريش]

ويقال لها: سورة لإيلاف وفيها قولان: أحدهما: أنها مكّيّة، قاله الجمهور. والثاني: مدنيّة، قاله الضّحّاك، وابن السّائب.

واختلف القرّاء في «لإيلاف» «١» فقرأ ابن عامر «لإلاف» بغير ياء بعد الهمزة، مثل: لعلاف. وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز. وروى حمّاد بن أحمد عن الشموني «٢» بهمزتين مخففتين، الأولى:

مكسورة، والثانية: ساكنة على وزن لفعلان. وقرأ الباقون بهمزة بعدها ياء ساكنة، مثل لعيلاف.

وفي لام «لإيلاف» ثلاثة أقوال: أحدها: أنها موصولة بما قبلها، المعنى: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش. وما قد ألفوا من رحلة الشتاء، والصيف هذا قول الفرّاء والجمهور. والثاني: أنها لام التعجّب، كأنّ المعنى: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، قاله الأعمش، والكسائيّ. والثالث: أنّ معناها متّصل بما بعدها. المعنى: فليعبد هؤلاء ربّ هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، لأنهم كانوا في الرّحلتين آمنين، وإذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله فلا يتعرّض لهم، قال الزّجّاج: وهذا الوجه قول النّحويين الذي ترتضي أقوالهم. وقال ابن قتيبة: بعض الناس يذهب إلى أنّ هذه السورة وسورة الفيل واحدة، وأكثر الناس على أنهما سورتان، وإن كانتا متّصلتي الألفاظ. والمعنى: أنّ قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء. والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا شجر، وإنما كانت قريش تعيش فيه بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كلّ سنة، رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف إلى الشام. ولولا هاتان الرّحلتان لم يكن به مقام. ولولا أنهم بمجاورة البيت لم يقدروا على التصرّف، فلما قصد أصحاب الفيل هدم الكعب أهلكهم الله لتقيم قريش بالحرم، فذكّرهم الله نعمته بالسورتين. والمعنى: أنه أهلك أولئك ليؤلّف قريشا هاتين الرّحلتين اللّتين بها معاشهم، ومقامهم بمكّة. تقول: ألفت موضع كذا: إذا لزمته، وألفنيه الله، كما تقول: لزمت موضع كذا وكذا، وألزمنيه الله، وكرّر «لإيلاف» للتوكيد، كما تقول:

أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانة عن كلّ الناس. وقال الزّجّاج: يقال: ألفت المكان ألفا، وآلفته إيلافا بمعنى واحد.


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٧٠٠: والصواب من القراءة في ذلك عندي من قرأه لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ بإثبات الياء فيهما بعد الهمزة من آلفت الشيء أولفه إيلافا، لإجماع الحجة من القراء عليه.
(٢) في الأزهرية «محمد بن حبيب الأشموني عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم» . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>