للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبير، وقتادة. وقال بعض المفسرين: المعنى: إِني كنت جاهلاً لم يأتني من الله شيء. والثاني: من الخاطئين والمعنى: إِني قتلت النفس خطأً، قاله ابن زيد. والثالث: من الناسين ومثله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «١» ، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ أي: ذهبت من بينكم لَمَّا خِفْتُكُمْ على نفسي إلى مَدْيَنِ، وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وابن يعمر: «لِمَا» بكسر اللام وتخفيف الميم، فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وفيه قولان: أحدهما: النبوَّة، قاله ابن السائب. والثاني: العِلْم والفَهم، قاله مقاتل.

قوله تعالى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ يعني التربية أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: اتخذْتَهم عبيداً يقال:

عبَّدتُ فلاناً وأعبدتُه واستعبدتُه: إِذا اتخذتَه عبداً. وفي «أنْ» وجهان: أحدهما: أن تكون في موضع رفع على البدل من «نِعْمةٌ» . والثاني: أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض، تقديره: لأَن عبَّدتَ، أو لتعبيدك. واختلف العلماء في تفسير الآية «٢» ، ففسرها قوم على الإِنكار، وقوم على الإِقرار، فمن فسرها على الإِنكار قال معنى الكلام: أو تلك نعمة؟! على طريق الاستفهام، ومثله هذا رَبِّي «٣» ، وقوله:

فَهُمُ الْخالِدُونَ «٤» ، وأنشدوا:

لم أنس يوم الرحيل وقفتَها ... وجفنها من دموعها شَرِقُ

وقولَها والركابُ سائرة ... تتركنا هكذا وتنطلق

وهذا قول جماعة منهم. ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال: أحدها: أن فرعون أخذ أموال بني إِسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها، فأبطل موسى النِّعمة لأنها أموال بني إِسرائيل، قاله الحسن. والثاني: أن المعنى: إِنك لو كنت لا تقتُل أبناء بني إِسرائيل لكفلني أهلي، وكانت أُمِّي تستغني عن قذفي في اليمِّ، فكأنك تمنُّ عليَّ بما كان بلاؤك سبباً له، وهذا قول المبرِّد، والزجّاج، والأزهري. والثالث: أن المعنى: تمنُّ عليَّ باحسانك إِليَّ خاصة، وتنسى إِساءتك بتعبيدك بني إِسرائيل؟! قاله مقاتل. والرابع: أن المعنى: كيف تمنُّ عليَّ بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أُهين قومُه فقد ذَلَّ، فقد حبط إحسانك بتعبيدك قومي، حكاه الثعلبي. فأما من فسرها على الإِقرار، فانه قال:

عدَّها موسى نعمة حيثُ ربَّاه ولم يقتله ولا استعبده. فالمعنى: هي لعمري نعمة إِذ ربَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إِسرائيل ف «أنْ» تدل على المحذوف، ومثله في الكلام- أن تَضرب بعض عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك-: هذه نعمة عليَّ أن ضربتَ فلاناً وتركتني، ثم تحذف «وتركتني» لأن المعنى معروف، هذا قول الفراءِ.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٨]

قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)

قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)


(١) البقرة: ٢٨٢.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤١٣: أي وما أحسنت إليّ وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل! فجعلتهم عبيدا وخدما، تصرّفهم في أعمالك ومشاق رعيتك أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم؟ أي: ليس ما ذكرته شيئا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
(٣) الأنعام: ٧٦.
(٤) الأنبياء: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>