للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة يونس (١٠) : آية ١١]]

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)

قوله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ: ذكر بعضهم أنها نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «١» والتعجيل: تقديم الشيء قبل وقته. وفي المراد بالآية قولان: أحدهما: ولو يعجِّل الله للنَّاسِ الشرَّ إذا دَعَواْ على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم، واستعجلوا به، كما يعجِّل لهم الخير، لهلكوا. هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. والثاني: ولو يعجل الله للكافرين العذاب على كفرهم كما عجَّل لهم خير الدنيا من المال والولد، لعُجِّل لهم قضاء آجالهم ليتعجَّلوا عذاب الآخرة. حكاه الماوردي. ويقوِّي هذا تمامُ الآية وسببُ نزولها. وقد قرأ الجمهور: «لقُضيَ إِليهم» بضم القاف «أجلُهم» بضم اللام. وقرأ ابن عامر: «لقَضَى» بفتح القاف «أجلَهم» بنصب اللام. وقد ذكرنا في أول سورة البقرة «٢» معنى الطّغيان والعمه.

[[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]]

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)

قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ: اختلفوا فيمن نزلت على قولين: أحدهما: أنها نزلت في أبي حذيفة، واسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي. قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أنها نزلت في عتبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة. قاله عطاء.

والضُّرُّ: الجهد والشّدة. واللام في قوله: لِجَنْبِهِ بمعنى «على» .

وفي معنى الآية قولان: أحدهما: إِذا مسه الضر دعا على جنبه، أو دعا قاعداً، أو دعا قائماً، قاله ابن عباس. والثاني: إِذا مسه الضر في هذه الأحوال، دعا، ذكره الماوردي «٣» .

قوله تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أعرض عن ادّعاء، قاله مقاتل.

والثاني: مَرَّ في العافية على ما كان عليه قبل أن يُبتلى، ولم يتَّعظ بما يناله، قاله الزجاج. والثالث: مَرَّ طاغياً على ترك الشكر. قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا قال الزجاج: «كأن» هذه مخففة من الثقيلة، المعنى: كأنه لم يدعنا، قالت الخنساء:

كَأَنْ لم يكونوا حِمىً يُتَّقَى ... إِذْ النَّاسُ إِذ ذَاكَ مَن عَزّ بَزَّا «٤»

قوله تعالى: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ المعنى: كما زُيّن لهذا الكافر الدعاء عند البلاء والإِعراض عند الرَّخاء، كذلك زُيّن للمسرفين، وهم المجاوزون الحدَّ في الكفر والمعصية، عملهم.


(١) سورة الأنفال: ٣٢.
(٢) سورة البقرة: ١٥.
(٣) انظر «تفسير الماوردي» ٢/ ٤٢٦. [.....]
(٤) في «اللسان» البز: السلب، ومنه قولهم في المثل: من عزّ بزّ، معناه: من غلب سلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>