ساقه» ، وهذا إضافة إليه، لأن الكل له وفعله. وقال أبو عمر الزّاهد: السّاق: يراد بها النّفس «١» ، ومنه قول عليّ رضي الله عنه: أقاتلهم ولو تلفت ساقي، أي: نفسي. فعلى هذا يكون المعنى: يتجلّى لهم.
قوله تعالى: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يعني: المنافقين فَلا يَسْتَطِيعُونَ كأن في ظهورهم سفافيد الحديد. قال النقاش: وليس ذلك بتكليف لهم أن يسجدوا، وهم عجزة، ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ أي: خاضعةً تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي: تغشاهم وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يعني:
بالأذان في دار الدنيا، ويُؤْمَرون بالصلاة المكتوبة وَهُمْ سالِمُونَ أي: معافَوْن ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد. وفي هذا وعيد لمن ترك صلاة الجماعة. وكان كعب يقول: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلَّفون عن الجماعات فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ يعني: القرآن. والمعنى: خَلِّ بيني وبينه. قال الزجاج: أي: لا تشغل قلبك به، كِلْه إليَّ فأنا أكفيك أمره. وذكر بعض المفسرين أن هذا القدر من الآية إلى قوله: «الحديث» منسوخ بآية السيف. وما بعد هذا مفسر في الأعراف «٢» إِلى قوله عزّ وجلّ: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فإنها مفسّرة والتي تليها في الطّور «٣» .
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
قوله عزّ وجلّ: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي: اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آتٍ. وقيل: معنى الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف.
قوله عزّ وجلّ: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ وهو يونس. وفي ماذا نُهِيَ أن يكون مثله قولان:
أحدهما: أنه العجلة، والغضب، قاله قتادة. والثاني: الضعف عن تبليغ الرسالة، قاله ابن جرير. قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخْرِجُ يونس من أولي العزم، لأنها خطيئة. ولو قلنا: إن كل مخطئ من الأنبياء ليس من أولي العزم، خرجوا كلهم إلا يحيى. ثم أخبر عن عقوبته إذ لم يصبر، فقال عزّ وجلّ: إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ قال الزجاج: مملوء غمّا وكربا.
قوله عزّ وجلّ: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وابن أبي عبلة: «لولا أن تَداركتْه» بتاء خفيفة، وبتاءٍ ساكنة بعد الكاف مع تخفيف الدال. وقرأ أبو هريرة، وأبو المتوكل: «تَدَّاركه» بتاء واحدة خفيفة مع تشديد الدال. وقرأ أُبَيّ بن كعب: «تتداركه» بتاءين خفيفتين نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ فرحمه بها، وتاب عليه من معاصيه لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ وقد بينا معنى «العَراء» في الصافات «٤» . ومعنى الآية: أنه نبِذَ غيرَ مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة. وقال ابن جريج: نُبِذَ بالعراء، وهي أرض المحشر، فالمعنى: أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة فَاجْتَباهُ رَبُّهُ أي: استخلصه واصطفاه، وخلّصه
مطوّلا. وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٧٣ من طريق هشام بن سعد عن زيد به.