للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلماء بالسِّيَر: أقام يعقوب بعد قدومه مصر أربعاً وعشرين سنة. وقال بعضهم: سبع عشرة سنة في أهنأ عيش، فلما حضرته الوفاة أوصى إِلى يوسف أن يُحمَل إِلى الشام حتى يدفنه عند أبيه إِسحاق، ففعل به ذلك، وكان عمره مائة وسبعاً وأربعين سنة، ثم إِن يوسف تاق إِلى الجنة، وعلم أن الدنيا لا تدوم فتمنَّى الموت، قال ابن عباس، وقتادة: ولم يتمنَّ الموتَ نبيّ قبله، فقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ يعني: ملك مصر وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وقد سبق تفسيرها، وفي «مِنْ» قولان: أحدهما: أنها صلة، قاله مقاتل. والثاني: أنها للتبعيض، لأنه لم يؤتَ كلَّ الملك، ولا كلَّ تأويل الأحاديث.

قوله تعالى: فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قد شرحناه في (الأنعام) «١» . أَنْتَ وَلِيِّي أي: الذي تلي أمري. تَوَفَّنِي مُسْلِماً قال ابن عباس: يريد: لا تسلبني الإِسلام حتى تتوفاني عليه. وكان ابن عقيل يقول: لم يتمنَّ يوسف الموت، وإِنما سأل أن يموت على صفة، والمعنى: توفني إِذا توفيتني مسلماً، وهذا الصحيح «٢» .

قوله تعالى: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ والمعنى: ألحقني بدرجاتهم، وفيهم قولان: أحدهما: أنهم أهل الجنة، قاله عكرمة. والثاني: آباؤه إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب، قاله الضحاك، قالوا: فلما احتُضر يوسف، أوصى إِلى يهوذا، ومات، فتشاحَّ الناس في دفنه، كل يُحبُّ أن يُدفن في محلَّته رجاءَ البركة، فاجتمعوا على دفنه في النيل ليمر الماء عليه ويصل إِلى الجميع، فدفنوه في صندوق من رخام، فكان هنالك إِلى أن حمله موسى حين خرج من مصر ودفنه بأرض كنعان. قال الحسن: مات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة. وذكر مقاتل أنه مات بعد يعقوب بسنتين.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٢]]

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)

قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أي: ذلك الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإِخوته من الأخبار التي كانت غائبة عنك، فأنزلته عليك دليلاً على نبوَّتك. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ أي: عند إِخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أي: عزموا على إِلقائه في الجب وَهُمْ يَمْكُرُونَ بيوسف. وفي هذا احتجاج على صحة نبوّة نبيّنا عليه السّلام، لأنه لم يشاهد تلك القصة، ولا كان يقرأ الكتاب، وقد أخبر عنها بهذا الكلام المعجز، فدلّ على أنه أخبر بوحي.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]

وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤)

قوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ قال ابن الأنباري: إِن قريشاً واليهود سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإِخوته، فشرحها شرحاً شافياً، وهو يؤمّل أن يكون ذلك سببا


(١) سورة الأنعام: ١٤.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٦٠٦: وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام كما أن نوحا أول من قال:
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>