قوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا يعني كفار مكة عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ يعني قرية قوم لوط التي رُميتْ بالحجارة أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها في أسفارهم فيعتبروا؟! ثم أخبر بالذي جرَّأهم على التكذيب، فقال: بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً أي: لا يخافون بعثاً، هذا قول المفسرين. وقال الزجاج: الذي عليه أهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف، وإِنما المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير، فركبوا المعاصي.
قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ أي: ما يتخذونك إِلَّا هُزُواً أي: مهزوءاً به، ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء: أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا أي: ليصرفنا عن عبادة آلهتنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها أي: على عبادتها قال الله تعالى: وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ في الآخرة مَنْ أَضَلُّ أي: مَنْ أَخطأُ طريقاً عن الهدى، أهم، أم المؤمنون. ثم عجَّب نبيَّه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إِليه الهوى، فقال: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قال ابن عباس: كان أحدهم يعبد الحجر، فاذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخَر. وقال قتادة: هو الكافر لا يهوى شيئاً إِلا ركبه. وقال ابن قتيبة: المعنى: يتَّبع هواه ويدع الحقَّ، فهو له كالإِله. قوله تعالى: أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أي: حفيظا يحفظه من اتِّباع هواه. وزعم الكلبي أن هذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ يعني أهل مكة والمراد: يسمعون سماع طالب للإفهام أَوْ يَعْقِلُونَ ما يعاينون من الحُجج والأعلام إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان: أحدهما: أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول. والثاني: أنه ليس لها همٌّ إِلا المأكل والمشرب. قوله تعالى: بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتُقبل على المحسِن إِليها، وهم على خلاف ذلك.