للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٤]]

وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)

قوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ، في سبب نزولها أربعة أقوال:

(١١١) أحدها: أنها نزلت في عبد الله بن رواحة، كان بينه وبين ختنه «١» شيء، فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه، وجعل يقول: قد حلفت بالله، ولا يحل لي، إلا أن تبرّ يميني، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. والثاني: أن الرجل كان يحلف بالله أن لا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس، فنزلت هذه الآية، قاله الربيع بن أنس. والثالث: أنها نزلت في أبي بكر حين حلف: لا ينفق على مسطح، قاله ابن جريج «٢» . والرابع: نزلت في أبي بكر، حلف أن لا يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم، قاله المقاتلان: ابن حيان، وابن سليمان «٣» .

قال الفراء: والمعنى: ولا تجعلوا الله مُعترضاً لأيمانكم. وقال أبو عبيد: نصباً لأيمانكم، كأنه يعني: أنكم تعترضونه في كل شيء فتحلفون به.

وفي معنى الآية ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناها: لا تحلفوا بالله أن لا تبرّوا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وابن جبير، والضحاك، وقتادة، والسدي، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج في آخرين. والثاني: أن معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين لتتقوا المخلوقين وتبرّوهم، وتصلحوا بينهم بالكذب، روى هذا المعنى عطية عن ابن عباس. والثالث: أن معناها: لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارّين مصلحين، فان كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه، هذا قول ابن زيد.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٥]]

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)

قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، قال الزجاج: اللغو في كلام العرب: ما أطُّرح ولم يعقد عليه أمر، ويسمى ما لا يعتد به، لغواً. وقال ابن فارس: اشتقاق ذلك من قولهم لما لا يعدّ من أولاد الإبل في الدّية أو غيرها لغو، يقال منه: لغا يلغو، وتقول: لغي بالأمر يلغى: إذا لهِج به. وقيل:

إن اشتقاق اللغة منه: أي يلهج صاحبها بها. وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال: أحدها: أن يحلف على الشيء ويظنّ أنه كما حلف، ثم يتبين له أنه بخلافه، وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة، وابن عباس، والحسن، وعطاء، والشعبي، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدي عن أشياخه، ومالك، ومقاتل. والثاني: أنه: لا والله، وبلى والله، من غير قصد لعقد اليمين، وهو قول عائشة، وطاوس، وعروة، والنخعي، والشافعي. واستدل أرباب هذا القول بقوله تعالى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، وكسب القلب: عقده وقصده، وهذان القولان منقولان عن الإمام أحمد، روى عنه ابنه


لا أصل له. ذكره الواحدي ١٤٨ عن الكلبي، وهو معضل والكلبي متهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>