للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قد شرحنا ذلك في (الأنعام) «١» . والْكَبِيرُ بمعنى:

العظيم. ومعناه: يعود إِلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلوِّ، فهو أكبر من كُلِّ كبير، لأن كل كبير يصغر بالإِضافة إِلى عظمته. ويقال: «الكبير» الذي كَبُر عن مشابهة المخلوقين.

فأمّا الْمُتَعالِ فقرأ ابن كثير «المتعالي» بياء في الوصل والوقف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وأثبتها في الوقف دون الوصل ابنُ شَنْبُوذَ عن قُنْبُل، والباقون بغير ياء في الحالين. والمتعالي هو المتنزِّه عن صفات المخلوقين، قال الخطّابي: وقد يكون بمعنى العالي فوق خَلْقه، وروي عن الحسن أنه قال: المتعالي عمّا يقول المشركون.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ١٠]]

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠)

قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ قال ابن الأنباري: ناب «سواءٌ» عن مُستوٍ، والمعنى: مستوٍ منكم مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ أي أخفاه وكتمه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ أعلنه وأظهره، والمعنى: أن السِرَّ والجهر سواء عنده. قوله تعالى: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ فيه قولان: أحدهما: أن المستخفي: هو المستتر المتواري في ظلمة الليل، والسارب بالنهار: الظاهر المتصرِّف في حوائجه. يقال: سرَبتِ الإِبل تَسرِب: إِذا مضت في الأرض ظاهرةً، وأنشدوا:

أرى كُلَّ قَوْمٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِم ... وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَه فَهْو سَارِبُ

أي: ذاهب. ومعنى الكلام: أن الظاهر والخفيِّ عنده سواء، هذا قول الأكثرين. وروى العوفي عن ابن عباس: «ومَنْ هو مستخف» قال: صاحب رِيبة بالليل، فإذا خرج بالنهار أرى الناسَ أنه بريء من الإِثم. والثاني: أن المستخفيَ بالليل: الظاهر، والساربَ بالنهار: المستتر، يقال: انسرب الوحش:

إِذا دخل في كِناسِهِ، وهذا قول الأخفش، وذكره قطرب أيضاً واحتج له ابن جرير بقولهم: خَفَيْتُ الشيء: إِذا أظهرتَه، ومنه (أكاد أخفيها) «٢» بفتح الألف، أي: أُظهرها، قال: وإِنما قيل للمتواري:

ساربٌ، لأنه صار في السرَبِ مستخفياً.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ١١]]

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)

قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ في هاء «له» أربعة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس. والثاني: إِلى الملك من ملوك الدنيا، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثالث: إِلى الإِنسان، قاله الزجاج. والرابع: إِلى الله تعالى، ذكره ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي.

وفي المعقِّبات قولان: أحدهما: أنها الملائكة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والحسن، وقتادة في آخرين. قال الزجاج: والمعنى: للإنسان ملائكة يعتقبون، يأتي بعضهم بِعَقِب بعض. وقال أكثر المفسرين: هم الحَفَظَة، اثنان بالنهار واثنان بالليل، إِذا مضى فريق، خلف بعده فريق، ويجتمعون عند صلاة المغرب والفجر. وقال قوم، منهم ابن زيد: هذه الآية خاصة في


(١) عند الآية: ٦.
(٢) سورة طه: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>