للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِنسان، وظل الجدار، وظل الثوب، وظل الشجرة، قال حُمَيد بن ثور:

فلا الظِّلُّ من بَردِ الضُّحى تَسْتَطِيعُهُ ... ولا الفيءَ مِن بردِ العَشِيِّ تَذوق

وقال لبيد:

بينما الظِّلُّ ظَلِيلٌ مُوْنِقٌ ... طَلَعَتْ شَمْسٌ عَلَيْه فاضْمَحَلّ

وقال آخر:

أيا أثلاث القَاعِ مِنْ بَطْنِ تُوضِحٍ ... حَنِيْنِي إِلى أَظْلالِكُنَّ طَوِيلُ «١»

وقيل: إِن الكافر يسجد لغير الله، وظلُّه يسجد لله. وقد شرحنا معنى الغُدُوِّ والآصال في (الأعراف) «٢» .

[[سورة الرعد (١٣) : آية ١٦]]

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)

قوله تعالى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ إِنما جاء السؤال والجواب من جهة، لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء فلما لم ينكروا، كان كأنهم أجابوا. ثم ألزمهم الحُجة بقوله: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني: الأصنام توليتموهم فعبدتموهم وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فكيف لغيرهم؟! ثم ضرب مثلاً للذي يعبد الأصنام والذي يعبد الله بقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ يعني المشرك والمؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «تستوي» بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «يستوي» بالياء. قال أبو علي: التأنيث حسنٌ، لأنه فعلُ مؤنثٍ، والتذكير سائغ، لأنه تأنيث غير حقيقي. ويعني بالظلمات والنور: الشركَ والإِيمان. أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قال ابن الأنباري: معناه:

أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه خلق الله بخلق هؤلاء؟ وهذا استفهام إِنكار، والمعنى: ليس الأمر على هذا، بل إِذا فكَّروا علموا أن الله هو المنفرد بالخلق، وغيره لا يخلق شيئاً.

قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ قال الزجاج: قُل ذلك وبيِّنه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء، وقد ذكرنا في (يوسف) «٣» معنى الواحد القهّار.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٧ الى ١٨]

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨)


(١) البيت لمجنون ليلى من ديوانه: ٢٢١.
(٢) سورة الأعراف: ٧.
(٣) سورة يوسف: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>