للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ يعني: الشياطين عَضُداً أي: أنصاراً وأعواناً. والعَضُد يستعمل كثيراً في معنى العون، لأنه قِوام اليد، قال الزجاج: والاعتضاد: التقوِّي وطلب المعونة، يقال:

اعتضدت بفلان، أي: استعنت به. وفي ما نفى اتخاذهم عضداً فيه قولان: أحدهما: أنه الولايات، فالمعنى: ما كنت الولي المضلِّين، قاله مجاهد. والثاني: أنه خَلْق السموات والأرض، قاله مقاتل.

وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو جعفر: «وما كنت» بفتح التاء.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]

وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)

قوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ وقرأ حمزة: «نقول» بالنون، يعني: يوم القيامة نادُوا شُرَكائِيَ أضاف الشركاء إِليه على زعمهم، والمراد: نادوهم لدفع العذاب عنكم، أو الشفاعة لكم، الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي: زعمتموهم شركاء فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي: لم يجيبوهم، وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ في المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم المشركون والشركاء. والثاني: أهل الهدى وأهل الضلالة. وفي معنى مَوْبِقاً ستة أقوال «١» : أحدها: مَهْلِكاً، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وقال ابن قتيبة:

مَهْلِكاً بينهم وبين آلهتهم في جهنم، ومنه يقال: أَوبَقتْه ذنوبه، أي أهلكته، وقال الزجاج: المعنى:

جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي: يهلكهم، فالمَوْبق: المهلك، يقال: وَبِق، يَيْبَقُ ويابَق، وبَقاً، ووَبَق، يَبِق، وُبُوقاً، فهو وابق وقال الفراء: جعلنا تواصُلهم في الدنيا مَوْبِقاً، أي: مَهْلِكاً لهم في الآخرة، فالبَيْن، على هذا القول بمعنى التواصل، كقوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «٢» على قراءة من ضمّ النون. والثاني: أن المَوْبِق: وادٍ عميق يُفرَّق به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، قاله عبد الله بن عمرو. والثالث: أنه وادٍ في جهنم، قاله أنس بن مالك ومجاهد. والرابع: أنّ معنى الموبق: العداوة، قاله الحسن. والخامس: أنه المَحْبِس، قاله الربيع بن أنس. والسادس: أنه المَوْعِد، قاله أبو عبيدة.

قال ابن الأنباري: إِن قيل: لم قال: «مَوْبِقاً» ولم يقل: «مُوبِقاً» ، بضم الميم، إِذ كان معناه عذاباً مُوبقاً؟ فالجواب: أنه اسم موضوع لمَحْبِس في النار، والأسماء لا تؤخذ بالقياس، فيُعلم أن «مَوْبِقاً» :

مَفْعِل، من أوبقه الله: إذا أهلكه، فتنفتح ميمه كما تنفتح في موعد ومولد ومحتد إذ سمّيت الشخوص بهنَّ.

قوله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ أي: عاينوها وهي تتغيَّظ حنقاً عليهم. والمراد بالمجرمين:

الكفار. فَظَنُّوا أي: أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي: داخلوها. ومعنى المواقعة: ملابسة الشيء بشدَّة وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي: مَعْدِلاً والمَصْرِف: الموضع الذي يُصْرَف إِليه، وذلك أنها أحاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهرب.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]

وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ٢٤٠: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول عن ابن عباس ومن وافقه في تأويل الموبق، أنه المهلك، وذلك أن العرب تقول في كلامها: قد أوبقت فلانا: إذا أهلكته.
(٢) سورة الأنعام: ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>