من نفس إلا عليها حافظ. وفيه قولان: أحدهما: أنهم الحفظة من الملائكة، قاله ابن عباس. قال قتادة: يحفظون على الإنسان عمله من خير أو شر. والثاني: حافظ يحفظ الإنسان حتى حين يسلِّمه إلى المقادير، قاله الفرّاء. ثم نبّه على البعث ب قوله عزّ وجلّ: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ أي: من أي شيء خلقه ربّه؟ والمعنى: فلينظر نظر التفكُّر والاستدلال ليعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادرٌ على إعادته.
قوله جلّ جلاله: مِنْ ماءٍ دافِقٍ قال الفراء: معناه: مدفوق، كقول العرب. سرٌّ كاتم، وهمٌ ناصب، وليلٌ نائم، وعيشة راضية. وأهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلاً. قال الزجاج: ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الاندفاق، والمعنى: من ماءٍ ذي اندفاق.
قوله عزّ وجلّ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وقرأ ابن مسعود، وابن سيرين، وابن السميفع، وابن أبي عبلة «الصلب» بضم الصاد، واللام جميعاً. يعني: يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة. قال الفراء:
يريد يخرج من الصلب والترائب. يقال: يخرج من بين هذين الشيئين خير كثير. بمعنى: يخرج منهما.
وفي «الترائب» ثلاثة أقوال: أحدها: أنه موضع القلادة، قاله ابن عباس. قال الزجاج: قال أهل اللغة أجمعون: التّرائب: موضع القلادة من الصّدر، وأنشدوا لامرئ القيس:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ ... تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ
قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: السجنجل: المرآة بالرومية. وقيل: هي سبيكة الفضة، وقيل: السجنجل: الزعفران، وقيل: ماء الذهب. ويروى البيت: «بالسجنجل» . والثاني: أن الترائب:
اليدان والرجلان والعينان، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثالث: أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر، وأربعة أضلاع من يسرة الصدر، حكاه الزّجّاج.
قوله عزّ وجلّ: إِنَّهُ الهاء كناية عن الله عزّ وجلّ عَلى رَجْعِهِ الرجع: رد الشيء إلى أول حاله.
وفي هذه الهاء قولان: أحدهما: أنها تعود على الإنسان. ثم في المعنى قولان: أحدهما: أنه على إعادة الإنسان حياً بعد موته قادر، قاله الحسن، وقتادة. قال الزّجّاج: ويدل على هذا القول قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. والثاني: أنه على رجعه من حال الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة قادر، قاله الضّحّاك. والقول الثاني: أنها تعود على الماء. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: رد الماء في الإحليل، قاله مجاهد. والثاني: على رده في الصلب، قاله عكرمة، والضحاك. والثالث: على حبس الماء فلا يخرج، قاله ابن زيد.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ تختبر السرائر التي بين العبد وبين ربه حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤدِّيها من مضيِّعها، فإن الإنسان مستور في الدنيا، لا يُدري أصلى، أم لا؟ أتوضأ، أم لا؟ فإذا كان يوم القيامة أبدى الله كل سِرٍّ، فكان زَيْناً في الوجه، أو شَيْناً. وقال ابن قتيبة: تختبر سرائر القلوب.
قوله عزّ وجلّ: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ أي: فما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله وَلا ناصِرٍ ينصره.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١١ الى ١٧]
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥)
وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)