للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنها البنون، قاله مجاهد، وقتادة، ومقاتل. والثاني: أنها الجزاء الحسن من الله تعالى، قاله الزجاج. والثالث: أنها الجنة، وذلك أنه لما وعد الله المؤمنين الجنة، قال المشركون: إِن كان ما تقولونه حقاً، لندخلَنَّها قبلكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: لا جَرَمَ قد شرحناها فيما مضى «١» . وقال الزجاج: «لا» ردٌ لقولهم، والمعنى:

ليس ذلك كما وصفوا «جرم» أنَّ لهم النار، المعنى: جرم فعلهم، أي: كسب فعلهم هذا أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ وفيه أربعة أوجه، قرأ الأكثرون: «مُفْرَطون» بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها، وفي معناها قولان: أحدهما: مُتْرَكون، قاله ابن عباس. وقال الفراء: منسيُّون في النار. والثاني: مُعْجَّلون، قاله ابن عباس أيضاً. وقال ابن قتيبة: مُعْجَّلون إِلى النار. قال الزجاج: معنى «الفرط» في اللغة:

المتقدم، فمعنى «مفرطون» : مقدَّمون إِلى النار، ومَنْ فسرها «مُتْرَكون» فهو كذلك أيضاً، أي: قد جُعلوا مقدَّمين إِلى العذاب أبداً، متروكين فيه. وقرأ نافع، ومحبوب عن أبي عمرو، وقتيبة عن الكسائي «مُفْرِطون» بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها، قال الزجاج: ومعناها: أنهم أفرطوا في معصية الله. وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة «مُفَرَّطُون» بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها، قال الزجاج: ومعناها: أنهم فرَّطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة، وتصديق هذه القراءة: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «٢» ، وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر «مُفَرَّطُون» بفتح الفاء والراء وتشديدها، قال الزجاج: وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى، فالمفرَّط والمفرَط بمعنى واحد.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)

قوله تعالى: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ قال المفسرون: هذه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ الخبيثة حتى عصَوا وكذَّبوا، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ فيه قولان: أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله ابن السائب، ومقاتل، كأنهما أرادا: فهو وليهم يوم تكون لهم النار. والثاني: أنه الدنيا، فالمعنى:

فهو مواليهم في الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ يعني: الكفار الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ أي: ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء، فالمعنى: أنزلناه بياناً لما وقع فيه الاختلاف.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)

قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني: المطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي: بعد يُبْسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي: يعتبرون.


(١) انظر ما تقدم عند سورة هود: ٢٢.
(٢) سورة الزمر: ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>