فائدة: قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٢٢: وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ إنكار على من يعد عدّة، أو يقول قولا لا يفي به، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا، سواء ترتب عليه عزم للموعود أم لا، واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت في الصحيحين، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» ولهذا أكّد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. وقال ابن العربي في «الأحكام» ٤/ ٢٤١- ٢٤٢: إن من التزم شيئا لزمه شرعا، والملتزم على قسمين: أحدهما: النذر، وهو على قسمين: نذر تقرب مبتدأ، كقوله: لله علي صوم وصلاة وصدقة، ونحوه من التقرب، فهذا يلزمه الوفاء به إجماعا. ونذر مباح، وهو ما علّق بشرط رغبة، كقوله: إن قدم غائبي فعلي صدقة. أو علّق بشرط رهبة، كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة. فاختلف العلماء فيه، فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه الوفاء به. وقال الشافعي في أحد أقواله: إنه لا يلزمه الوفاء به. وعموم الآية حجة لنا، لأنها بمطلقها تتضمن ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان، من مطلق أو مقيد بشرط. وقد قال أصحابه: إن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة. هذا وإن كان من جنس القربة، لكنه لم يقصد به القربة، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الإقدام على فعل. قلنا: القرب الشرعية مقتضيات وكلف وإن كانت قربات. وهذا تكلف في التزام هذه القربة مشقة لجلب نفع أو دفع ضر، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب. فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب، كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا، فهذا لازم إجماعا من الفقهاء. وإن كان وعدا مجردا فقيل: يلزم بمطلقه، وتعلّقوا بسبب الآية. - وهو الحديث الآتي عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام.