للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى. قال قطرب: الريش والرياش واحد. وقال سفيان الثوري: الريش: المال، والرياش: الثياب.

قوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: «ولباسُ التقوى» بالرفع. وقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بنصب اللباس. قال الزجاج: من نصب اللباس، عطف به على الريش ومن رفعه، فيجوز أن يكون مبتدأً، ويجوز أن يكون مرفوعاً باضمار: هو المعنى: وهو لباس التقوى، أي: وستر العورة لباس المتقين. وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال «١» : أحدها:

أنه السمت الحسن، قاله عثمان بن عفان ورواه الذيَّال بن عمرو عن ابن عباس. والثاني: العمل الصالح، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: الإيمان، قاله قتادة، وابن جريج، والسدي فعلى هذا، سمي لباس التقوى، لأنه يقي العذاب. والرابع: خشية الله تعالى، قاله عروة بن الزبير.

والخامس: الحياء، قاله معبد الجهني، وابن الانباري. والسادس: ستر العورة للصلاة، قاله ابن زيد.

والسابع: انه الدرع، وسائر آلات الحرب، قاله زيد بن علي. والثامن: العفاف، قاله ابن السائب.

والتاسع: أنه ما يُتَّقى به الحر والبرد، قاله ابن بحر. والعاشر: أن المعنى: ما يَلْبَسه المتقون في الآخرة، خير مما يلبسه أهل الدنيا، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه.

قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ قال ابن قتيبة: المعنى: ولباس التقوى خير من الثياب، لأن الفاجر، وإِن كان حسن الثوب، فهو بادي العورة و «ذلك» زائدة. قال الشاعر في هذا المعنى:

إنِّي كأنِّي أرَى مَنْ لا حَياءَ لَه ... وَلاَ أمَانَةَ وَسْطَ القَوْمِ عُريانا «٢»

قال ابن الانباري: ويقال: لباس التقوى، هو اللباس الأول، وإنما أعاده لِما أخبر عنه بأنه خير من التعرِّي، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعرِّي في الطواف.

قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ قال مقاتل: يعني: الثيابُ والمالُ من آيات الله وصنعه، لكي يذّكروا، فيعتبروا في صنعه.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]]

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)

قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ قال المفسرون: هذا الخطاب للذين كانوا يطوفون


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٥/ ٤٦٠: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل لِباسُ التَّقْوى استشعار النفوس تقوى الله في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمت الحسن. لأن من اتقى الله كان به مؤمنا، وبما أمره به عاملا، وفيه خائفا، وله مراقبا، ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا. من كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سمته وهديه، ورئيت عليه بهجة الإيمان ونوره. وإنما قلنا عني ب (لباس التقوى) استشعار النفس والقلب ذلك لأن «اللباس» إنما هو ادراع ما يلبس، واجتناب ما يكتسي، أو تغطية بدنه أو بعضه به، فكل من ادرع شيئا واجتابه حتى يرى عينه أو أثره عليه، فهو له «لابس» ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسا، وهن لهن لباسا، وجعل الليل لعباده لباسا. ا. هـ.
(٢) البيت منسوب إلى سوّار بن المضرب «اللسان» وسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>