للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة النساء (٤) : آية ١٣٨]]

بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨)

قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ زعم مقاتل أنه لما نزلت المغفرة في سورة الفتح للنبي والمؤمنين قال عبد الله بن أُبيّ ونفر معه: فما لنا؟ فنزلت هذه الآية «١» . وقال غيره: كان المنافقون يتولَّون اليهود، فأُلحِقوا بهم في التبشير بالعذاب. وقال الزجاج: معنى الآية: اجعل موضع بشارتهم العذاب. والعرب تقول: تحيتك الضَّربُ، أي: هذا بدلٌ لك من التحيّة. قال الشاعر:

وخيلٍ قد دلفتُ لها بخيل ... تحيّة بينهم ضرب وجيع «٢»

[[سورة النساء (٤) : آية ١٣٩]]

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩)

قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ قال ابن عباس: يتخذون اليهود أولياء في العون والنُّصرة. قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ أي: القوة بالظهور على محمد وأصحابه، والمعنى:

أيتقون بهم؟ قال مقاتل: وذلك أن اليهود أعانوا مشركي العرب على قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال الزجاج: أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة. و «العزَّة» : المنعة، وشدة الغلبة، وهو مأخوذ من قولهم: أرض عَزاز. قال الأصمعي: العزاز: الأرض التي لا تنبت. فتأويل العزة: الغلبة والشدة التي لا يتعلق بها إذلال. قالت الخنساء:

كَأَنْ لم يكونوا حِمىً يُتَّقَى ... إِذْ النَّاسُ إِذ ذَاكَ مَن عَزّ بَزَّا

أي: من قوي وغَلَبَ سَلبَ. ويقال: قد استُعِزَّ على المريض، أي: اشتد وجعه. وكذلك قول الناس: يَعزُّ عليّ أن يفعل، أي: يشتد، وقولهم: قد عزَّ الشيء: إِذا لم يوجد، معناه: صعب أن يوجد، والباب واحد.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٤٠]]

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠)

قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ وقرأ عاصم، ويعقوب: «نَزَّل» بفتح النون والزاي.

قال المفسّرون: الذي نزل عليهم في النهي عن مجالستهم، قوله في الأنعام وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ «٣» وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود، فيسخرون من القرآن ويكذبون به، فنهى الله المسلمين عن مجالستهم. وآيات الله: هي القرآن. والمعنى: إِذا سمعتم الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها، فلا تقعدوا معهم حتى يأخذوا في حديث غير الكفر، والاستهزاء. إِنَّكُمْ إِن جالستموهم على ما هم عليه من ذلك، فأنتم مِثْلُهُمْ، وفي ماذا تقع المماثلة فيه، قولان: أحدهما:


(١) باطل. عزاه المصنف لمقاتل، وهو متهم بالوضع، كما تقدم، وخبره لا شيء، ليس له أصل.
(٢) في «الخزانة» ٤/ ٥٣ قال البغدادي: وهذا البيت نسبه شراح أبيات «الكتاب» وغيرهم إلى عمرو بن معديكرب الصحابي ولم أره في شعره. وفي «اللسان» : دلف: الدّليف: المشي الرّويد. ودلفت الكتيبة إلى الكتيبة في الحرب تقدمت. وجيع أي موجع.
(٣) سورة الأنعام: ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>