للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن، والأعمش: بفتح التاء وكسر وتشديد الطاء ورفع الفاء. وكلُّهم فتح الطاء. وفي المراد بهذا المثَل قولان: أحدهما: أنه شبَّه المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه، بالذي يَخِرُّ من السماء، قاله قتادة. والثاني: أنه شبَّه حال المشرك في أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفع ضر يوم القيامة، بحال الهاوي من السماء، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: ذلِكَ أي: الأمر ذلك الذي ذكرناه وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ قد شرحنا معنى الشعائر في البقرة «١» . وفي المراد بها ها هنا قولان: أحدهما: أنها البدن. وتعظيمها: استحسانها واستسمانها لَكُمْ فِيها مَنافِعُ قبل أن يُسمِّيَها صاحبها هدياً، أو يشعرها ويوجبها، فإذا فعل ذلك، لم يكن له من منافعها شيء، روى هذا المعنى مقسم عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضّحّاك.

وقال عطاء بن أبي رباح: لكم في هذه الهدايا منافع بعد إِيجابها وتسميتها هدايا إِذا احتجتم إِلى شيء من ذلك أو اضطررتم إِلى شرب ألبانها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو أن تُنحَر. والثاني: أن الشعائر: المناسك ومشاهد مكة والمعنى: لكم فيها منافع بالتجارة إِلى أجلٍ مسمَّى، وهو الخروج من مكة، رواه أبو رزين عن ابن عباس. وقيل: لكم فيها منافع من الأجر، والثواب في قضاء المناسك إِلى أجل مسمى، وهو انقضاء أيام الحج.

قوله تعالى: فَإِنَّها يعني الأفعال المذكورة، من اجتناب الرجس وقول الزور، وتعظيم الشعائر. وقال الفراء: «فإنها» يعني الفعلة مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، وإِنما أضاف التقوى إِلى القلوب، لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب. قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّها أي: حيث يَحِلُّ نحرها إِلَى الْبَيْتِ يعني:

عند البيت، والمراد به: الحرم كلُّه «٢» ، لأنا نعلم أنها لا تذبح عند البيت، ولا في المسجد، هذا على القول الاول، وعلى الثاني، يكون المعنى: ثم مَحِلّ الناس من إِحرامهم إِلى البيت، وهو أن يطوفوا به بعد قضاء المناسك.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)

قوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً قرأ حمزة، والكسائي، وبعض أصحاب أبي عمرو بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها: فمن أراد المصدر، من نَسَكَ يَنْسُكُ، ومن كسر أراد مكان النَّسْك كالمجلِس والمطلِع. ومعنى الآية: لكلِّ جماعة مؤمنة من الأمم السالفة جعلنا ذبح القرابين لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، وإِنما خص بهيمة الأنعام، لأنها المشروعة في القُرَب.

والمراد من الآية: أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة، وأن التسمية عليها كانت مشروعة قبل هذه الأمة. قوله تعالى: فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ: لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم سواه فَلَهُ أَسْلِمُوا أي:

انقادوا واخضعوا. وقد ذكرنا معنى الإخبات في سورة هود «٣» . وكذلك ألفاظ الآية التي تلي هذه.


(١) سورة البقرة: ١٥٨.
(٢) تقدم الكلام عن محل الذبح في سورة المائدة.
(٣) سورة هود: ٢٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>