للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القرآن إلاّ «ضِيزى» بياءٍ غير مهموزة وإنما لم يقُل النحويُّون: إنها على أصلها لأنهم لا يعرفون في الكلام «فِعْلى» صفة، إنما يعرفون الصِّفات على «فَعْلَى» بالفتح، نحو سَكُرَى وغَضْبى، أو بالضم نحو حُبْلى وفُضْلى.

قوله تعالى: إِنْ هِيَ يعني الأوثان إِلَّا أَسْماءٌ والمعنى: إن هذه الأوثان التي سمَّوها بهذه الأسامي لا معنى تحتها، لأنها لا تضر ولا تنفع، فهي تسميات أُلقيت على جمادات، ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي: لم يُنزل كتاباً فيه حُجّة بما يقولون: إِنها آلهة. ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد الخطاب لهم فقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ في أنها آلهة إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وهو ما زيَّن لهم الشيطان، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى وهو البيان بالكتاب والرسول، وهذا تعجيب من حالهم إذ لم يتركوا عبادتها بعد وُضوح البيان. ثم أنكر عليهم تَمنِّيهم شفاعتَها فقال: أَمْ لِلْإِنْسانِ يعني الكافر ما تَمَنَّى من شفاعة الأصنام فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى أي لا يَملك فيهما أحد شيئاً إلاّ بإذنه، ثم أكَّد هذا بقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً فجمع في الكناية، لأن معنى الكلام الجمع إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ في الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى والمعنى أنهم لا يَشفعون إلاّ لِمن رضي الله عنهم.

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي بالبعث لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى وذلك حين زعموا أنها بنات الله، وَما لَهُمْ بذلك مِنْ عِلْمٍ أي ما يَستيقِنون أنها إناث إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً أي لا يقوم مقامَ العِلْم فالحقُّ هاهنا بمعنى العِلْم. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني القرآن، وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف. قوله تعالى: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قال الزجّاج: إنَّما يعلمون ما يحتاجون إليه في معايشهم، وقد نبذوا أمر الآخرة. قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الآية: والمعنى أنه عالِمٌ بالفريقين فيجازيهم.

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣١ الى ٣٢]

وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)

قوله تعالى: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ هذا إِخبار عن قُدرته وسَعَة مُلكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا لأن اللام في «ليجزي» متعلقة بمعنى الآية الأولى، لأنه إِذا كان أعلم بهما جازى كُلاًّ بما يستحقُّه، وهذه لام العاقبة، وذلك أن عِلْمه بالفريقين أدَّى إلى جزائهم باستحقاقهم، وإِنما يَقْدِر على مُجازاة الفريقين إذا كان واسع المُلك، فلذلك أخبر به في قوله: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. قال المفسرون: و «أساؤوا» بمعنى أشركوا، و «أحسنوا»

<<  <  ج: ص:  >  >>