قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْناهُ أي: ولو جعلنا الرسول إليهم مَلكَاً، لجعلناه في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون رؤية المَلَك على صورته، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ أي: لشبَّهنا عليهم. يقال: ألبست الأمر على القوم، أُلبِسه أي: شبهته عليهم، وأشكلته. والمعنى: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكّوا، فلا يدرون أمَلَكٌ هو أم آدميٌ؟ فأضللناهم بما به ضلّوا قبل أن يُبعث المَلَك. وقال الزجاج: كانوا يلبسون على ضعفتهم في أمر النّبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فقال تعالى: لو رأوا المَلَك رجلاً، لكان يلحقهم فيه من الَّلبْسِ مثلُ ما لحق ضعفتهم منه. وقرأ الزّهريّ، ومعاذ القارئ، وأبو رجاء: «وللبّسنا» ، بالتشديد، «عليهم ما يلبّسون» ، مشدّدة أيضا.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)
قوله تعالى: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا أي: أحاط. قال الزجاج: الحيق في اللغة: ما اشتمل على الإِنسان من مكروه فعله، ومنه: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ «١» أي: لا ترجع عاقبة مكروهه إلا عليهم. قال السّدّيّ: وقع بهم العذاب الّذي استهزءوا به.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢]]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢)
قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ المعنى: فان أجابوك، وإلا ف قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قال ابن عباس: قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين. قال الزجاج: ومعنى كتب: أوجب ذلك إيجاباً مؤكداً، وجائز أن يكون كتب في اللوح المحفوظ وإنما خُوطِبَ الخلقُ بما يعقلون، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخَّر أن يحفظ بالكتاب. وقال غيره: رحمته عامة فمنها تأخير العذاب عن مستحقِّه، وقبول توبة العاصي.
قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اللام: لام القسم. كأنه قال: والله ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه. وذهب قوم إلى أن «إلى» بمعنى: «في» ثم اختلفوا، فقال قوم: في يوم القيامة. وقال آخرون: في قبوركم إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي: بالشرك، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، لِما سبق فيهم من القضاء. وقال ابن قتيبة: قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مردود إلى قوله: كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الذين خسروا.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣]]
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
قوله تعالى: وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.
(١) سورة فاطر: ٤٣.