للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)

قوله تعالى: ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أي: بالعذاب فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أثبت الياء في «نكير» يعقوب في الحالَيْن، ووافقه ورش في إِثباتها في الوصل، والمعنى: كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالإِهلاك؟! والمعنى: إِني أنكرتُ عليهم أبلغ إِنكار، وهذا استفهام معناه التقرير.

قوله تعالى: أَهْلَكْناها قرأ أبو عمرو: «أهلكتُها» بالتاء، والباقون: «أهلكناها» بالنون.

قوله تعالى: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عمر، وحمزة، والكسائي: «وبئر» مهموز، وروى ورش عن نافع بغير همز، والمعنى: وكم بئرٍ معطَّلة، أي: متروكة «١» وَقَصْرٍ مَشِيدٍ فيه قولان: أحدهما: مجصَّص، قاله ابن عباس وعكرمة. قال الزجاج: أصل الشِّيد الجصُّ والنُّورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مَشِيد. والثاني: طويل، قاله الضحاك ومقاتل. وفي الكلام إِضمار، تقديره: وقصر مشيد معطَّل أيضاً ليس فيه ساكن.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)

قوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا قال المفسرون: أفلم يَسِر قومك في أرض اليمن والشام فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها إِذا نظروا آثار من هلك أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها أخبار الأمم المكذّبة فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ قال الفراء: الهاء في قوله: «فإنها» عماد، والمعنى: أن أبصارهم لم تعم، وإِنما عميت قلوبهم «٢» . فأمّا قوله تعالى: الَّتِي فِي الصُّدُورِ فهو توكيد، لأن القلب لا يكون إِلا في الصدر، ومثله:

تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ «٣» يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «٤» ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ «٥» . قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٨٦: وقوله تعالى: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ أي: لا يستقى منها، ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها. وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قيل المنيف المرتفع وقيل الشديد المنيع الحصين وكل هذه الأقوال متقاربة، ولا منافاة بينها، فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه، ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله به، كما قال تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، النساء: ٧٨.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٨٦: «وقال ابن أبي الدنيا: قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ، ونوره بالفكر، وموّته بالزهد، وقوّه باليقين وذلّله بالموت وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره ما أصاب من كان قبله، وسر في ديارهم وآثارهم وانظر ما فعلوا، وأين حلوا وعمّ انقلبوا» . وقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ أي: ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر، ولا تدري ما الخبر.
(٣) سورة البقرة: ١٩٦.
(٤) سورة الأنعام: ٣٨.
(٥) سورة آل عمران: ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>