للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذر لهم، ويجوز في النحو: المعِذِّرون بكسر العين، والمعُذِّرون بضم العين، غير أنه لم يُقرأ بهما، لأن اللفظ بهما يثقل. ومن قرأ «المعْذرون» بتسكين العين، فتأويله: الذين أُعذروا وجاءوا بعذر. وقال ابن الأنباري: المعذّرون ها هنا: المعتذرون بالعذر الصحيح. وأصل الكلمة عند أهل النحو:

المعتذرون، فحوِّلت فتحة التاء إلى العين، وأبدلت الذال من التاء وأدغمت في الذال التي بعدها فصارتا ذالاً مشددة، ويقال في كلام العرب: اعتذر، إذا جاء بعذر صحيح، وإذا لم يأت بعذر. قال الله تعالى:

قُلْ لا تَعْتَذِرُوا فدل على فساد العذر، وقال لبيد:

وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَاملاً فَقَد اعْتَذَر أي: فقد جاء بعذر صحيح. وكان ابن عباس يقرأ «المعذِّرون» ويقول: لعن الله المعذِّرين.

يريد: لعن الله المقصِّرين من المنافقين وغيرهم. والمعْذرون: الذين يأتون بالعذر الصحيح فبان من هذا الكلام أن لهم عذراً على قراءة من خفف. وهل يثبت لهم عذر على قراءة من شدد؟ فيه قولان.

قال المفسرون: جاء هؤلاء ليؤذَن لهم في التخلُّف عن تبوك، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علّة، جرأة على الله تعالى.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩١ الى ٩٣]

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)

قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ اختلفوا فيمن نزلت على قولين: أحدهما: أنها نزلت في عائذ بن عمرو وغيره من أهل العذر، قاله قتادة. والثاني: في ابن مكتوم، قاله الضحاك. وفي المراد بالضعفاء ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم الزمنى والمشايخ الكبار قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أنهم الصغار. والثالث: المجانين سموا ضعافاً لضعف عقولهم، ذكر القولين الماوردي. والصحيح انهم الذين يضعفون لزَمانةٍ، أو عَمىً، أو سِنٍّ أو ضَعف في الجسم. والمرضى: الذين بهم أعلال مانعة من الخروج للقتال، والَّذِينَ لا يَجِدُونَ هم المُقِلُّون، والحرج: الضيق في القعود عن الغزو بشرط النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه وجهان: أحدهما: أن المعنى: إذا برئوا من النفاق. والثاني: إذا قاموا بحفظ الذراري والمنازل. فان قيل بالوجه الأول، فهو يعم جميع المذكورين. وإن قيل بالثاني. فهو يخص المقلِّين. وإنما شُرط النصح، لأن من تخلف بقصد السعي بالفساد، فهو مذموم ومن النصح لله: حث المسلمين على الجهاد، والسعي في إصلاح ذات بينهم، وسائر ما يعود باستقامة الدين.

قوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي من طريق بالعقوبة، لأن المحسن قد سد باحسانه باب العقاب. قوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ نزلت في البكَّائين، واختُلف في عددهم وأسمائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>