للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ قال الزجاج: أضمر: «فأطيعوهم» . وقد سبق معنى «إما» في سورة (البقرة) والباقي ظاهر إلى قوله: يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ ففي معناه سبعة أقوال «١» .

أحدها: ما قُدّر لهم من خير وشر، رواه مجاهد عن ابن عباس. والثاني: نصيبهم من الأعمال، فيُجزَون عليها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: ما كُتِبَ عليهم من الضلالة والهدى، قاله الحسن.

وقال مجاهد، وابن جبير: من السعادة والشقاوة. والرابع: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والأعمال، قاله الربيع، والقرظي، وابن زيد. والخامس: ما كتب لهم من العذاب، قاله عكرمة، وأبو صالح، والسدي. والسادس: ما أخبر الله تعالى في الكتاب كلِّها: أنه من افترى على الله كذباً، اسودَّ وجهه، قاله مقاتل. والسابع: ما أخبر في الكتاب من جزائهم، نحو قوله: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى «٢» ، قاله الزجاج.

فاذن في الكتاب خمسة أقوال: أحدها: أنه اللوح المحفوظ. والثاني: كُتُبُ الله كلُّها. والثالث:

القرآن. والرابع: كتاب أعمالهم. والخامس: القضاء.

قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أعوان مَلَكِ الموت، قاله النخعي. والثاني: ملك الموت وحده، قاله مقاتل. والثالث: ملائكة العذاب يوم القيامة.

وفي قوله: يَتَوَفَّوْنَهُمْ ثلاثة أقوال: أحدها: يتوفَّونهم بالموت، قاله الأكثرون. والثاني:

يتوفَّونهم بالحشر إلى النار يوم القيامة، قاله الحسن. والثالث: يتوفَّونهم عذاباً، كما تقول: قتلت فلاناً بالعذاب، وإن لم يمت، قاله الزجاج.

قوله تعالى: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ أي: تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ، وهذا سؤال تبكيت وتقريع. قال مقاتل: المعنى: فليمنعوكم من النار. قال الزجاج: ومعنى ضَلُّوا عَنَّا: بطلوا وذهبوا، فيعترفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين. وقال غيره: ذلك الاعتراف يكون يوم القيامة.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٨]]

قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨)

قوله تعالى: قالَ ادْخُلُوا إن الله تعالى يقول لهم ذلك بواسطة الملائكة، لأن الله تعالى لا يكلّم


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٥/ ٤٨١: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق، وعمل وأجل، وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فأبان باتباعه ذلك قوله أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيا عليهم نصيبهم من الكتاب أو مما قد أعد لهم في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه، فبين بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه. ا. هـ.
(٢) سورة الليل: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>