(١٢٥٢) وقال مقاتل: لمّا قال الله عزّ وجلّ: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سُئلوا عن ذلك فقالوا: لا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«فما يُدريكم أنها إِناث؟» فقالوا: سمعنا من آبائنا، ونحن نَشهد أنهم لم يَكذبوا، فقال الله: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ عنها في الآخرة.
وقرأ أبو رزين، ومجاهد:«سنَكْتُبُ» بنون مفتوحة «شهادتَهم» بنصب التاء، ووافقهم ابن أبي عبلة في «سنَكْتُبُ» وقرأ: «شهاداتِهم» بألف.
قوله تعالى: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ في المكنيِّ عنهم قولان: أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة، ومقاتل في آخرين. والثاني: الأوثان، قاله مجاهد. وإِنما عَنَوْا بهذا أنه لو لم يَرْضَ عبادتَنا لها لعجَّل عقوبتنا، فردَّ عليهم قولهم بقوله: ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ. وبعض المفسرين يقول: إِنما أشار بقوله: «ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ» إلى ادِّعائهم أنَّ الملائكة إِناث، قال: ولم يتعرَّض لقولهم: «لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ» لأنه قول صحيح والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا «١» ، وقوله: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ «٢» ، وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك.
و «يَخْرُصُونَ» بمعنى: يكذبون. وإنما كذَّبهم، لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر ديناً. أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ أي: مِنْ قَبْلِ هذا القرآن، أي: بأن يعبدوا غير الله فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ يأخذون بما فيه. بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ أي: على سُنَّة ومِلَّة ودِين وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ فجعلوا أنفُسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حُجَّة ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال:
وَكَذلِكَ أي: وكما قالوا قال مُتْرَفو القُرى مِنْ قَبْلهم، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ بهم. قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم:«قال أَوَلَوْ جِئتُكم» بألف. قال أبو علي: فاعل «قالَ» النذير، المعنى: فقال لهم النذير. وقرأ أبو جعفر:«أَوَلَوْ جئناكم» بألف ونون بِأَهْدى أي: بأصوب وأرشد. قال الزجاج: ومعنى الكلام: قُلْ: أتَّتبعونَ ما وجدتم عليه آباءكم وإِن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إِبطال القول بالتقليد. قال مقاتل: فرَدُّوا على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ثم رجع إِلى الأُمم الخالية، فقال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ الآية.
قوله تعالى: إِنَّنِي بَراءٌ قال الزجاج: البَراء بمعنى البَريء، والعرب تقول للواحد: أنا البَراء منك، وكذلك للإثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البَراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البَراءان منك، ولا البَراءون منك، وإِنما المعنى: أنا ذو البَراء منك، ونحن ذو البراء
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث. وعزاه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٦٨ للكلبي ومقاتل، والكلبي كذاب أيضا، فهذا الخبر لا شيء.