للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتل مَن يقتله بعد قتل الواحد إِلى أن يفنى الناس؟ فالجواب: أن المقدار الذي يستحقّه قاتل الناس جميعاً معلوم عند الله محدود، فالذي يقتل الواحد يلزمه ذلك الإِثم المعلوم، والذي يقتل الاثنين يلزمه مثلاه، وكلما زاد قتلاً زاده الله إِثماً، ومثل هذا قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «١» فالحسنة معلوم عند الله مقدار ثوابها، فعاملها يعطى بمثل ذلك عشر مرات. وهذا الجواب عن سؤال سائل إِن قال: إِذا كان من أحيا نفساً فله ثواب من أحيا الناس، فما ثواب من أحيا الناس كلَّهم؟ هذا كله منقول عن المفسرين. والذي أراه أن التشبيه بالشيء تقريبٌ منه، لأنه لا يجوز أن يكون إِثم قاتل شخصين كإثم قاتل شخص، وإِنما وقع التشبيه ب «كأنما» ، لأن جميع الخلائِق من شخص واحد، فالمقتول يتصوّر منه نشر عدد الخلق كلِّهم.

وفي قوله تعالى: وَمَنْ أَحْياها خمسة أقوال: أحدها: استنقذها من هلكةٍ، روي عن ابن مسعود، ومجاهد. قال الحسن. من أحياها من غرق أو حرق أو هلاك. وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: من شدَّ عَضُدَ نبي أو إِمامٍ عادِلٍ، فكأنما أحيا الناس جميعاً. والثاني: ترك قتل النفس المحرّمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية. والثالث: أن يعفو أولياء المقتول عن القصاص، قاله الحسن وابن زيد وابن قتيبة. والرابع: أن يزجر عن قتلها وينهى. والخامس: أن يعين الوليَّ على استيفاء القصاص لأن في القصاص حياةً، ذكرهما القاضي أبو يعلى. وفي قوله تعالى:

فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً قولان: أحدهما: فله أجر من أحيا الناس جميعاً، قاله الحسن وابن قتيبة. والثاني: فعلى جميع الناس شكره كما لو أحياهم، ذكره الماوردي. قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ يعني: بني إِسرائيل الذين جرى ذكرهم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٣٣]]

إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣)

قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في سبب نزولها أربعة أقوال:

(٤١٩) أحدها: أنها نزلت في ناسٍ من عُرَينة قدموا المدينة، فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في


حديث صحيح دون ذكر نزول الآية. أخرجه البخاري ٤١٩٣ ومسلم ١٦٧١ وأبو داود ٤٣٦٦ والترمذي ٧٢ و ١٨٤٥ و ٢٠٤٢ والنسائي ٧/ ٩٧ و ١٦٠ وابن أبي شيبة ٧/ ٧٥ وأحمد ٣/ ١٨٦- ١٩٨ وابن حبان ١٣٧٦ والبغوي في «التفسير» ٧٨٢ من طرق كلهم من حديث أنس، رووه بألفاظ متقاربة والمعنى متحد، وليس في شيء من طرقه ذكر نزول الآية، وإنما ورد من طريق قتادة وحده، وليس في الصحيح.
وورد نزول الآية من مرسل قتادة، أخرجه الطبري ١١٨١٢، وورد من مرسل سعيد بن جبير، أخرجه الطبري ١١٨١٤، وورد موصولا من حديث جرير البجلي، أخرجه الطبري ١١٨١٥ لكن فيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو متروك. وورد عن قتادة عن أنس، أخرجه الطبري ١١٨١٩ ولعل الصواب كونه من مرسل قتادة كما تقدم آنفا، فوصله أحد الرواة وهما. وورد من وجه آخر عن أنس أخرجه الطبري ١١٨٢٠ وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وورد من مرسل السدي، أخرجه الطبري ١١٨٢١. فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها، إلا أن روايات الصحيح خالية من ذكر نزول الآية، فالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>