قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا أي: وكما جعلنا لك ولأُمتك شياطين الإنس والجن أعداءً، كذلك جعلنا لمن تقدَّمك من الأنبياء وأُممهم والمعنى: كما ابتليناك بالأعداء، ابتلينا مَنْ قبلك، ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى. قال الزّجّاج:«عدوّ» : في معنى أعداء، و «شياطين الإنس والجن» : منصوب على البدل من «عدو» ، ومفسر له ويجوز أن يكون:«عدواً» منصوب على أنه مفعول ثان، المعنى: وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداءً لأُممهم «١» . وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم مردة الإنس والجن، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: أن شياطين الإنس: الذين مع الإنس، وشياطين الجن: الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي. والثالث: أن شياطين الإنس والجن: كفارهم، قاله مجاهد.
قوله تعالى: يُوحِي أصل الوحي: الإعلام والدلالة بِسَتر وإخفاء. وفي المراد به ها هنا ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناه: يأمر. والثاني: يوسوس. والثالث: يشير.
وأما زُخْرُفَ الْقَوْلِ، فهو ما زُيِّن منه، وحُسِّن، ومُوِّه، وأصل الزخرف: الذهب. قال أبو عبيدة: كل شيء حسَّنته وزيَّنتَه وهو باطل، فهو زخرف. وقال الزجاج:«الزخرف» في اللغة: الزينة فالمعنى: أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة و «غروراً» منصوب على المصدر وهذا المصدر محمول على المعنى، لأن معنى إيحاء الزخرف من القول: معنى الغرور، فكأنه قال: يَغرُّون غُروراً.
وقال ابن عباس: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً: الأمانيُّ بالباطل. قال مقاتل: وَكّلَ إبليسُ بالإنس شياطين يُضِلُّونَهم، فاذا التقى شيطان الإنس بشيطان الجن قال أحدهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضللْ أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك وحي بعضهم إلى بعض. وقال غيره: إن المؤمن إذا أعيا شيطانه، ذهب إلى متمرد من الإنس، وهو شيطان الإنس، فأغراه بالمؤمن ليفتنه. وقال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين. وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد عليَّ من شيطان الجن، لأنّي كإذا تعوَّذت من ذاك ذهب عني، وهذا يجرني إلى المعاصي عِياناً.
قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ في هاء الكناية ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إلى الوسوسة. والثاني: ترجع إلى الكفر. والثالث: إلى الغرور، وأذى النبيّين.
قوله تعالى: فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ قال مقاتل: يريد كفار مكة وما يفترون من الكذب. وقال غيره: فذر المشركين وما يخاصمونك به مما يوحي إليهم أولياؤهم، وما يختلقون من كذب، وهذا القدر من هذه الآية منسوخ بآية السيف.
(١) قال الحافظ ابن كثير «تفسيره» ٢/ ٢١١ الآية شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ: الشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر، ولا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء قبحهم الله ولعنهم.