ندامتا ويا حزنا. والتحسُّر: الاغتمام على ما فات. والألِف في «يا حسرتا» هي ياء المتكلم، والمعنى:
يا حسرتي، على الإِضافة. قال الفراء: والعرب تحوِّل الياء إلى الألِف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدُّعاء، وربما أدخلت العربُ الهاء بعد هذه الألف، فيَخْفِضونها مَرَّةً، ويرفعونها أخرى. وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمران، وأبو الجوزاء: «يا حسرتي» بكسر التاء، على الإِضافة إِلى النَّفْس. وقرأ معاذ القارئ، وأبو جعفر: «يا حسرتايَ» ، بألف بعد التاء وياء مفتوحة، قال الزجاج:
وزعم الفراء أنه يجوز «يا حسرتاهَ على كذا» بفتح الهاء، و «يا حسرتاهُِ» بالضم والكسر، والنحويّون أجمعون لا يُجيزون أن تُثْبَتَ هذه الهاءُ مع الوصل.
قوله تعالى: فِي جَنْبِ اللَّهِ فيه خمسة أقوال: أحدها: في طاعة الله تعالى، قاله الحسن.
والثاني: في حق الله، قاله سعيد بن جبير. والثالث: في أمْر الله، قاله مجاهد، والزجاج. والرابع: في ذِكْر الله، قاله عكرمة، والضحاك. والخامس: في قٌرْب الله روي عن الفراء أنه قال: الجَنْب: القُرْب، أي: في قُرْب الله وجِواره، يقال: فلان يعيش في جَنْبِ فلان، أي: في قُرْبه وجواره فعلى هذا يكون المعنى: على ما فرَّطْتُ في طلب قُرْب الله تعالى، وهو الجنة.
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي: وما كنتُ إِلاّ من المستهزِئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدُّنيا. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي أي: أرشَدني إِلى دينه لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ الشِّرك فيقال لهذا القائل: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي قال الزجاج: و «بلى» جواب النفي، وليس في الكلام لفظ النفي، غير أن معنى «لو أن الله هداني» : ما هُديتُ، فقيل: «بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي» . وروى ابن أبي سريج عن الكسائي: «جاءتكِ» ، «فكذَّبْتِ» ، «واسْتَكْبَرْتِ» ، «وكُنْتِ» ، بكسر التاء فيهنّ، مخاطَبة للنفْس. ومعنى «اسْتَكْبَرْتَ» : تكبَّرتَ عن الإِيمان بها.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١)
قوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ فزعموا أن له ولداً وشريكاً وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فَعَلْنا، وإِن شئنا لم نَفْعَل. وباقي الآية قد ذكرناه آنفا. قوله تعالى: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم:
«بِمَفازَتِهِمْ» . قال الفراء. وهو كما قد تقول: قد تبيَّن أمرُ القوم وأمورهم، وارتفع الصوت والأصوات، والمعنى واحد. وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال: أحدها: بفضائلهم، قاله السدي. والثاني: بأعمالهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. والثالث: بفوزهم من النار. قال المبرِّد: المَفازة: مَفْعَلة من الفوز، وإن جُمع فحسن، كقولك: السعادة والسعادات، والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣)
قوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن قتيبة: أي: مفاتيحُها وخزائنُها، لأن مالِكَ المفاتيح مالِك الخزائن، واحدها: إِقليد، وجُمع على غير واحد، كما قالوا: مَذاكير جمع ذَكَر، ويقال: هو