للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجيء إلى الكاتب فيقول: اكتب لي، فيقول: إني مشغول، فيلزمه، ويقول: إنك قد أُمرت بالكتابة، فيضاره، ولا يدعه، وهو يجد غيره، وكذلك يفعل الشاهد، فنزلت وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.

والثاني: أن معناه: النهي للكاتب أن يضار من يكتب له بأن يكتب غير ما يمل عليه، وللشاهد أن يشهد بما لم يستشهد عليه، هذا قول الحسن، وطاوس، وقتادة، وابن زيد، واختاره ابن قتيبة، والزجاج.

واحتج الزجاج على صحته بقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، قال: ولا يسمى من دعا كاتباً ليكتب، وهو مشغول، أو شاهداً فاسقاً، إنما يسمى من حرف الكتاب، أو كذب في الشهادة، فاسقاً. والثالث: أن معنى المضارّة: امتناع الكاتب أن يكتب، والشاهد أن يشهد، وهذا قول عطاء في آخرين.

قوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا، يعني: المضارّة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٣]]

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)

قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ، إنما خص السفر، لأن الأغلب عدم الكاتب والشاهد فيه، ومقصود الكلام: إذا عدمتم التوثق بالكتاب والإشهاد، فخذوا الرهن.

قوله تعالى: فَرِهانٌ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعبد الوارث (فرهن) بضم الراء والهاء من غير ألف، وأسكن الهاء عبد الوارث وجماعة. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي فَرِهانٌ بكسر الراء، وفتح الهاء، وإثبات الألف. قال ابن قتيبة من قرأ فَرِهانٌ أراد: جمع رهن، ومن قرأ «رهن» أراد: جمع رهان، فكأنه جمع الجمع. وقوله تعالى: مَقْبُوضَةٌ، يدل على أن من شرط لزوم الرهن القبض، وقبض الرهن أخذه من راهنه منقولاً، فإن كان مما لا ينقل، كالدور والأرضين، فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه.

قوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أي: فإن وثق رب الدين بأمانة الغريم، فدفع ماله بغير كتاب ولا شهود، ولا رهن، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وهو المدين أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ أن يخون من ائتمنه. وقوله تعالى: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، قال السدي عن أشياخه: فانه فاجر قلبه. قال القاضي أبو يعلى: إنما أضاف الإثم إلى القلب، لأن المآثم تتعلق بعقد القلب، وكتمان الشهادة إنما هو عقد النّيّة لترك أدائها.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٤]]

لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)

قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ أما إبداء ما في النفس، فانه العمل بما أضمره العبد، أو النطق، وهذا مما يحاسب عليه العبد، ويؤاخذ به، وأما ما يخفيه في نفسه، فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على قولين:

<<  <  ج: ص:  >  >>