للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتل ابتلاءً. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الفتون: وقوعُه في محنة بعد محنة خلَّصه الله منها، أولها أن أُمَّه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إِلقاؤه في البحر، ثم منعه الرضاع إِلا من ثدي أمه، ثم جرُّه لحية فرعون حتى همَّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدُّرَّة، ثم قتله القبطيّ، ثم خروجه إِلى مَدْيَن خائفاً وكان ابن عباس يقصُّ هذه القصص على سعيد بن جبير، ويقول له عند كلّ بليّة: وهذا من الفُتون يا ابن جبير فعلى هذا يكون معنى «فتنَّاكَ» خلَّصناكَ من تلك المحن كما يُفْتَن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث. والفتون: مصدر.

قوله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ تقدير الكلام: فخرجتَ إِلى أهل مدين. ومدين: بلد شعيب، وكان على ثماني مراحل من مصر، فهرب إِليه موسى. وقيل: مدين: اسم رجل، وقد سبق هذا «١» . وفي قدر لبثه هناك قولان: أحدهما: عشر سنين، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: ثمان وعشرون سنة، عشر منهنَّ مهر امرأته، وثمان عشرة أقام حتى وُلد له، قاله وهب.

قوله تعالى: ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ أي: جئتَ لميقاتٍ قدَّرتُه لمجيئكَ قبل خَلْقِك، وكان ذلك على رأس أربعين سنة، وهو الوقت الذي يوحى فيه إِلى الأنبياء، هذا قول الأكثرين. وقال الفراء: «على قَدَرٍ» أي: على ما أراد الله به من تكليمه.

قوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي: اصطفيتُك واختصصتك، والاصطناع: اتخاذ الصنيعة، وهو الخير تسديه إِلى إِنسان. وقال ابن عباس: اصطفيتك لرسالتي ووحيي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها العصا واليد. وقد يُذْكَر الاثنان بلفظ الجمع. والثاني: العصا واليد وحَلُّ العُقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها، ذكرهما ابن الأنباري. والثالث: الآيات التسع. والأول أصح. قوله تعالى: وَلا تَنِيا قال ابن قتيبة: لا تَضْعُفا ولا تفْتُرا يقال: ونَى يني في الأمر وفيه لغة أخرى: وَنَيَ، يونى. وفي المراد بالذّكر ها هنا قولان «٢» : أحدهما: أنه الرسالة إِلى فرعون. والثاني: أنه القيام بالفرائض والتّسبيح والتّهليل.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]

اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧)

إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)

قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ فائدة تكرار الأمر بالذهاب، التوكيد. وقد فسرنا قوله إِنَّهُ طَغى «٣» . قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: «ليْنا» باسكان


(١) في سورة الأعراف: ٨٦.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٩٤: والمراد أنهما لا يفتران عن ذكر الله، بل يذكر ان الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوّة لهما وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث: «إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه» .
(٣) في سورة طه: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>