للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيتُ من هو دوني في الدنيا أعلم منّي، قاله ابن عباس. والثاني: أأشكر ذلك من فضل الله عليَّ، أم أكفر نعمته بترك الشُّكر له، قاله ابن جرير.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)

قوله تعالى: قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها قال المفسرون: خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس فتُفشي إِليه أسرار الجن، لأن أُمَّها كانت جِنِّية، فلا ينفكُّون من تسخير سليمان وذرِّيَّته بعده، فأساؤوا الثناء عليها وقالوا: إِن في عقلها شيئاً، وإِن رجلها كحافر الحمار، فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها، وينظر إِلى قدميها ببناء الصرح. قال ابن قتيبة: ومعنى «نكِّروا» : غيِّروا، يقال: نكَّرت الشيء فتنكَّر، أي: غيَّرتُه فتغيَّر. وللمفسرين في كيفية تغييره ستة أقوال:

أحدها: أنه زِيد فيه ونقص منه، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنهم جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة، وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب، والياقوتَ مكان الزَّبَرْجَد، والدُّرَّ مكان اللؤلؤ، وقائمتَي الزَّبَرْجَد مكان قائمتَي الياقوت، قاله ابن عباس أيضاً. والثالث: أنهم نزعوا ما عليه من فصوصه وجواهره، روي عن ابن عباس أيضاً. والرابع: أنهم جعلوا ما كان منه أحمرَ أخضرَ، وما كان أخضر أحمر، قاله مجاهد. والخامس: أنهم جعلوا أسفله أعلاه، ومُقَدَّمه مُؤخَّره، وزادوا فيه، ونقصوا منه، قاله قتادة. والسادس: أنهم جعلوا فيه تماثيل السَّمك، قاله أبو صالح.

وفي قوله تعالى: كَأَنَّهُ هُوَ قولان: أحدهما: أنها لمَّا رأته جعلت تَعْرِف وتُنْكِر، ثم قالت في نفسها: من أين يَخْلُص إِلى ذلك وهو في سبعة أبيات والحرس حوله؟! ثم قالت: كأنه هو، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال قتادة: شبَّهتْه بعرشها. وقال السدي: وجدت فيه ما تعرفه فلم تُنْكِر، ووجدت فيه ما تُنْكِره فلم تُثْبِت، فلذلك قالت: كأنه هو. والثاني: أنَّها عرفتْه، ولكنها شبَّهتْ عليهم كما شبَّهوا عليها، فلو أنهم قالوا: هذا عرشكِ، لقالت: نعم، قاله مقاتل. قال المفسرون: فقيل لها: فانه عرشكِ، فما أغنى عنكِ إغلاق الأبواب؟! وفي قوله تعالى: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ثلاثة أقوال: أحدها: أنه قول سليمان، قاله مجاهد، ثم في معناه قولان: أحدهما: وأُوتينا العِلْم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة. والثاني: أُوتينا العِلْم باسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكُنَّا مُسْلِمِين لله. والقول الثاني: انه من قول بلقيس، فانها لمّا رأت عرشها، قالت: قد عرفتُ هذه الآية، وأُوتينا العِلْم بصِحَّة نبوَّة سليمان بالآيات المتقدِّمة، تعني أمر الهدهد والرُّسُلِ التي بُعثت من قَبْل هذه الآية، وكُنَّا مُسْلِمِين منقادِين لأمركَ قبل أن نجىء. والثالث: أنه من قول قوم سليمان، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ قال الفراء: معنى الكلام: هي عاقلة، إِنَّما صدَّها عن عبادة الله عبادتُها الشمس والقمر، وكان عادةً من دين آبائها والمعنى: وصدَّها أن تعبُد الله ما كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>