للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سليمان، فأمر السَّحاب فحمله، وعدا ابنه في السّحاب خوفا من الشياطين، فعاتبه الحقّ تعالى على تخوُّفه من الشياطين، ومات الولد، فأُلقي على كرسيه ميتاً جسداً، قاله الشعبي «١» . والمفسرون على القول الأول. ونحن نذكُر قصة ابتلائه على قول الجمهور.

الإِشارة إلى ذلك

اختلف العلماء في كيفية ذهاب خاتم سليمان على قولين: أحدهما: أنه كان جالساً على شاطئ البحر، فوقع منه في البحر، قاله عليّ رضي الله عنه. والثاني: أن شيطاناً أخذه، وفي كيفية ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنه دخل ذات يوم الحمّام ووضع الخاتم تحت فِراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، وجعل الشيطانُ يقول: أنا نبيّ الله، قاله سعيد بن المسيّب. والثاني: أن سليمان قال للشيطان:

كيف تَفْتِنون النّاسَ؟ قال: أَرِني خاتمك أُخْبِرْكَ، فأعطاه إيّاه فنبذه في البحر فذهب مُلك سليمان وقعد الشيطان على كرسيه، قاله مجاهد. والثالث: أنه دخل الحمّام ووضع خاتمه عند أوثق نسائه في نفسه، فأتاها الشيطان فتمثَّل لها في صورة سليمان وأخذ الخاتم منها، فلمّا خرج سليمانُ طلبه منها فقالت: قد دفعتُه إِليك، فهرب سليمان وجاء الشيطان فجلس على مُلكه. قاله سعيد بن جبير. والرابع: أنه دخل الحمّام وأعطى الشيطانَ خاتمه، فألقاه الشيطان في البحر فذهب مُلك سليمان وأُلقي على الشيطان شِبْهُه قاله قتادة.

فأمّا قِصَّةُ الشيطان، فذكر أكثر المفسرين أنه لمّا أخذ الخاتم رمى به في البحر، وأُلقي عليه شِبْهُ سليمان، فجلس على كرسيّه، وتحكَّم في سُلطانه. وقال السدي: لم يُلْقِه في البحر حتى فرّ من مكان سليمان. وهل كان يأتي نساءَ سليمان؟ فيه قولان «٢» : أحدهما: أنه لم يَقْدِر عليهنّ، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: أنه كان يأتيهنّ في زمن الحيض، فأنكرنه، قاله سعيد بن المسيب والأول أصحّ.

قالوا: وكان يقضي بقضايا فاسدة، ويحكُم بما لا يجوز، فأنكره بنو إسرائيل، فقال بعضُهم لبعض: إما أن تكونوا قد هَلَكتم أنتم، وإمّا أن يكون مَلكُكم قد هَلَكَ، فاذْهَبوا إِلى نسائه فاسألوهُنَّ، فذهبوا، فقلن: إنّا والله قد أنكرناه فلم يزل على حاله إلى أن انقضى زمن البلاء.

وفي كيفيَّة بُعْدِ الشيطان عن مكان سليمان أربعة أقوال: أحدها: أن سليمان وجد خاتمه فتختَّم به، ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان، قاله سعيد بن المسيّب. والثاني: أن سليمان لمّا رَجَع إلى مُلْكه وجاءته الرِّيح والطَّير والشياطين، فرّ الشيطان حتى دخل البحر، قاله مجاهد. والثالث: أنه لمّا مضى أربعون


(١) هذه الآثار من سخافات الإسرائيليين.
(٢) هذا وأمثاله من الإسرائيليات الباطلة المزورة، قبح الله واضعه، والعجب أن بعض المفسّرين يذكر مثل هذه الأخبار دون أن يبين بطلانها.
قال الآلوسي: ومن أقبح ما في هذه الأخبار متسلط الشيطان على نساء نبيه حتى وطأهن وهنّ حيّض الله أكبر!! هذا بهتان عظيم، وخطب جسيم اه ملخصا، راجع روح المعاني ٢٣/ ١٩٩.
- وقال ابن كثير ٤/ ٤٤: إن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة التفسير أن ذلك الجني لم يسلّط على نساء سليمان، بل عصمهن الله عز وجل منه تشريفا وتكريما لنبيه، قال: وقد رويت هذه القصة عن جماعة من السلف، ثم قال: وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب، والله أعلم بالصواب اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>