للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ أي: ابتليناه وامْتَحَنّاه بِسَلْبِ مُلْكه وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ أي: على سريره جَسَداً وفيه قولان «١» :

أحدهما: أنه شيطان، قاله ابن عباس، والجمهور. وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة أقوال: أحدها:

صخر، رواه العوفي عن ابن عباس. وذكر العلماء أنه كان شيطاناً مَرِيداً لم يُسَخَّر لسليمان. والثاني:

آصف، قاله مجاهد: إلاّ أنه ليس بالمُؤْمِن الذي عنده الاسم الأعظم، إِلاّ أنّ بعض ناقِلِي التفسير حكى أنه آصف الذي عنده عِلْمٌ من الكتاب، وأنه لمّا فُتن سليمان سقط الخاتم من يده فلم يثبُت، فقال آصف: أنا أقوم مقامَك إِلى أن يتوبَ الله عليك، فقام في مقامه، وسار بالسِّيرة الجميلة، وهذا لا يَصِحُّ، ولا ذكره مَنْ يوثَق به. والثالث: حبقيق، قاله السدي والمعنى: أجلسْنا على كرسيِّه في مُلْكه شيطاناً. ثُمَّ أَنابَ أي: رَجَع: وفيما رجع إِليه قولان: أحدهما: تاب من ذَنْبه، قاله قتادة. والثاني:

رَجَع إَلى مُلْكه، قاله الضحاك. وفي سبب ابتلاء سليمان بهذا خمسة أقوال «٢» : أحدها: أنه كانت له امرأة يقال لها: جرادة، فكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق، إلا أنه وَدَّ أن الحق كان لأهلها، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحداً، وأوحى اللهُ تعالى إِليه أنه سيُصيبك بلاءٌ، فكان لا يدري أيأتيه من السماء، أو من الأرض، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أن زوجته جرادة كانت آثَرَ النِّساءِ عنده، فقالت له يوماً: إن أخي بينه وبين فلان خصومة، وإنِّي أُحِبُ أن تَقْضِيَ له، فقال: نعم، ولم يفعل، فابتُليَ لأجل ما قال، قاله السدي. والثالث: أن زوجته جرادة كان قد سباها في غَزاةٍ له، وكانت بنتَ مَلِك فأسلمتْ، وكانت تبكي عنده بالليل والنهار، فسألها عن حالها، فقالت: أذْكُر أبي وما كنتُ فيه، فلو أنك أَمَرْتََ الشياطين فصوروا صورته في داري فأتسلىَّ بها، ففعل، فكانت إذا خرج سليمان، تسجد له هي وولائدها أربعين صباحاً، فلمّا عَلِم سليمان، كسر تلك الصورة، وعاقب المرأة وولائدها ثم تضرَّع إِلى الله تعالى مستغفراً ممّا كان في داره، فسُلِّط الشيطانُ على خاتمه، هذا قول وهب بن منبّه «٣» . والرابع: أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيّام، فأوحى الله تعالى إليه: يا سليمان، احتجبتَ عن الناس ثلاثةَ أيّام فلم تنظرُ في أُمور عبادي ولم تُنْصِف مظلوماً من ظالم؟! فسلّط الشيطان على خاتمه، قاله سعيد بن المسيب. والخامس: أنه قارَبَ امرأةً من نسائه في الحيض أو غيره، قاله الحسن «٤» .

والقول الثاني: أن المراد بالجسد الذي أُلقي على كرسيّه: أنه وُلد له ولد فاجتمعت الشياطين، فقال بعضهم لبعض: إِن عاش له ولد، لم ننفكَّ من البلاء، فسبيلُنا أن نقتُلَ ولده أو نخبله، فعلم بذلك


(١) قال أبو حيان في «البحر المحيط» : نقل المفسّرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد، أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، وهي إما من وضع اليهود، أو الزنادقة، ولم يبين الله الفتنة ولا الجسد الذي ألقاه، ويستحيل عقلا تمثل الشيطان بصورة نبي، فلو أمكن ذلك لم يوثق بإرسال نبي، وإنما هذه المقالة مسترقة من زنادقة السوفسطائية اه. ولو لم يذكر المصنف مثل هذا لكان أولى.
(٢) هذه الأقوال جميعا من الإسرائيليات. وقال الحافظ ابن كثير ٤/ ٤٤: في هذا السياق منكرات من أشدها ذكر النساء، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب، والله أعلم بالصواب.
(٣) عامة روايات وهب إسرائيلية.
(٤) هذا من الإسرائيليات الباطلة، وهذا القول أنكر الأقوال لما فيه من النيل من كرامة الأنبياء عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>