متبذِلاً تبدو محاسنُه ... يضعُ الهناء مواضِعَ النُّقب «١»
ويقال: في فلان مناقب جميلة، وكل الباب معناه: التأثير الذي له عُمق ودخول، ومن ذلك نقبت الحائِط، أي: بلغت في النقب آخِرَه، والنقبة من الجرب: داء شديد الدخول. وإِنما قيل: نقيب، لأنه يعلم دخيلة أمر القوم، ويعرف مناقبهم، وهو الطريق إِلى معرفة أمورهم. ونقل أن الله تعالى أمر موسى وقومه بالسّير إلى الأرض المقدسة، وكان يسكنها الجبارون، فقال تعالى: يا موسى اخرج إِليها وجاهد من فيها من العدو، وخُذْ من قومك اثني عشر نقيباً، من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أُمروا به، فاختاروا النقباء. وفيما بعثوا له قولان:
أحدهما: أن موسى بعثهم إِلى بيت المقدس، ليأتوه بخبر الجبارين، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي. والثاني: أنهم بعثوا ضمناء على قومِهِمْ بالوفاء بميثاقهم، قاله الحسن، وابن إِسحاق. وفي نبوّتهم قولان: أصحهما: أنهم ليسوا بأنبياء.
قوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ في الكلام محذوف. تقديره: وقال الله لهم. وفي المقول لهم قولان: أحدهما: أنهم بنو إِسرائيل، قاله الجمهور. والثاني: أنهم النقباء، قاله الربيع، ومقاتل. ومعنى إِنِّي مَعَكُمْ أي: بالعون والنصرة، وفي معنى: وَعَزَّرْتُمُوهُمْ قولان: أحدهما: أنه الإِعانة والنصر، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد وقتادة والسدي. والثاني: أنه التعظيم والتوقير، قاله عطاء واليزيدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.
قوله تعالى: وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً في هذا الإقراض قولان: أحدهما: أنه الزكاة الواجبة.
والثاني: صدقة التطوع. وقد شرحنا في البقرة معنى القرض الحسن.
قوله تعالى: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ يشير إِلى الميثاق فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي: أخطأ قصد الطريق.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٣]]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)
قوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ في الكلام محذوف، تقديره: فنقضوا، فبنقضهم لعنّاهم. وفي المراد بهذه اللعنة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها التعذيب بالجزية، قاله ابن عباس. والثاني: التعذيب بالمسخ، قاله الحسن، ومقاتل. والثالث: الإِبعاد من الرحمة، قاله عطاء، والزجاج.
قوله تعالى: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: قاسِيَةً بالألف، يقال: قست، فهي قاسية، وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضّل، عن عاصم: «قسيّةً» بغير ألف مع تشديد الياء، لأنه قد يجيء فاعل وفعيل، مثل شاهد وشهيد، وعالم وعليم. و «القسوة» : خلاف اللّين والرّقة. وقد ذكرنا هذا في (البقرة) .
(١) البيت لدريد بن الصّمة كما في «اللسان» مادة- نقب. [.....]