للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برفع اللام. وقرأ الباقون: «نَجزي» بالنون «كُلَّ» بنصب اللام.

قوله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها وهو افتعال من الصُّراخ: والمعنى: يستغيثون، فيقولون:

رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً أي: نوحِّدك ونُطيعك غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ من الشِّرك والمعاصي فوبَّخهم الله تعالى بقوله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ قال أبو عبيدة: معناه التقرير، وليس باستفهام والمعنى: أو لم نعمِّركم عُمُراً يتذكرَّ فيه من تَذَكَّر؟! وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال: أحدها: أنه سبعون سنة، قال ابن عمر: هذه الآية تعيير لأبناء السبعين. والثاني: أربعون سنة. والثالث: ستون سنة، رواهما مجاهد عن ابن عباس، وبالأول منهما قال الحسن، وابن السائب. والرابع: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء، ووهب بن منبّه، وأبو العالية، وقتادة.

قوله تعالى: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه الشيب، قاله ابن عمر وعكرمة وسفيان بن عيينة والمعنى: أو لم نعمركم حتى شبتم؟! والثاني: النبيّ صلى الله عليه وسلّم، قاله قتادة وابن زيد وابن السائب ومقاتل. والثالث: موت الأهل والأقارب. والرابع: الحمّى، ذكرهما الماوردي.

قوله تعالى: فَذُوقُوا يعني العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ أي: من مانع يَمنع عنهم. وما بعد هذا قد تقدم بيانه «١» إلى قوله تعالى: خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ وهي الأُمَّة التي خَلَفَتْ مَنْ قَبْلها ورأت فيمن تقدَّمها ما ينبغي أن تَعتبر به فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي: جزاء كفره.

[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٠ الى ٤١]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١)

قوله تعالى: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ المعنى: أَخبِروني عن الذين عبدتم من دون الله واتخذتموهم شركاء بزعمكم، بأيّ شيءٍ أوجبتم لهم الشركة في العبادة؟! أبشيءٍ خلقوه من الارض، أم شارَكوا خالق السموات في خَلْقها؟! ثم عاد إِلى الكفار فقال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً يأمرهم بما يفعلون فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم: «على بيِّنةٍ» على التوحيد. وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «بيِّناتٍ» جمعاً. والمراد: البيان بأنَّ مع الله شريكاً بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ يعني المشركين يَعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً أنَّ الأصنام تَشفع لهم، وأنّه لا حساب عليهم ولا عقاب. وقال مقاتل: ما يَعِدُ الشيطانُ الكفَّار من شفاعة الآلهة إِلاَّ باطلاً. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا أي: يمنعهما من الزوال والذهاب والوقوع. قال الفراء وَلَئِنْ بمعنى «ولو» ، و «إِن» بمعنى «ما» ، فالتقدير: ولو زالتا ما أمسكهما من أحد. وقال الزجاج: لمَّا قالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، كادت السمواتُ يتفطَّرْن والجبالُ أن تَزُول والأرضُ أن تنشقَّ، فأمسكها الله عزّ وجلّ وإِنَّما وحَّد «الأرض» مع جمع «السموات» ، لأن الأرض تدل على الأَرَضِين. وَلَئِنْ زالَتا تحتمل وجهين: أحدهما: زوالهما يوم القيامة. والثاني: أن يقال


(١) المائدة: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>