للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجماع، قاله عليّ، وابن عباس، وابن جبير، ومسروق، والشعبي، وإذا كان للمؤلي عذر لا يقدر معه على الجماع، فإنه يقول: متى قدرت جامعتها، فيكون ذلك من قوله فيئة فمتى قدر فلم يفعل، أمر بالطلاق، فان لم يطلق، طلق الحاكم عليه.

قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قال عليّ، وابن عباس: غفور لإثم اليمين.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٧]]

وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)

قوله تعالى: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ، أي: حققوه «١» . وفي عزم الطلاق قولان:

أحدهما: أنه إذا مضت الأربعة أشهر استحق عليه أن يفيء، أو يطلق، وهو مروي عن عمر، وعثمان، وعليّ، وابن عمر، وسهل بن سعد، وعائشة، وطاوس، ومجاهد، والحكم، وأبي صالح.

وحكاه أبو صالح عن اثني عشر رجلاً من الصحابة، وهو قول مالك، وأحمد، والشافعي. والثاني: أنه لا يفيء حتى يمضي أربعة أشهر، فتطلق بذلك من غير أن يتكلم بطلاق.

واختلف أرباب هذا القول فيما سيلحقها من الطلاق على قولين: أحدهما: طلقة بائنة. روي عن عثمان، وعليّ، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وقبيصة بن ذؤيب. والثاني: طلقة رجعية، روي عن سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شبرمة. قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فيه قولان: أحدهما: سميع لطلاقه، عليم بنيته. والثاني: سميع ليمينه، عليم بها.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٨]]

وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)

قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، سبب نزولها: أن المرأة كانت إذا طلقت وهي راغبة في زوجها، قالت: أنا حبلى، وليست حبلى، لكي يراجعها، وإن كانت حبلى وهي كارهة، قالت: لست بحبلى، لكي لا يقدر على مراجعتها. فلما جاء الإسلام ثبتوا على هذا، فنزل قوله تعالى:


(١) قال القرطبي رحمه الله ٣/ ١٠٧: في قوله تعالى وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ دليل على أنها لا تطلق بمضي أربعة أشهر كما قال مالك، ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة. وأيضا فإنه قال: «سميع» وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي. وقال أبو حنيفة: «سميع» لإيلائه «عليم» بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر قال القاضي ابن العربي: وتحقيق الأمر أن تقدير الآية عندنا: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ بعد انقضائها فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وتقديرها عندهم لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فيها فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ بترك الفيئة فيها، يريد مدة التربص فيها فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. قال ابن عربي: وهذا احتمال متساو ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه.
قلت: وإذا تساوى الاحتمالين كان القول قياسا على المعتدة بالشهور والأقراء إذ كل أجل ضربه الله تعالى فبانقضائه انقطعت العصمة وأبينت من غير خلاف ولم يكن لزوجها سبيل عليها إلّا بإذنها، فكذلك الإيلاء، حتى لو نسي الفيء وانقضت المدة لوقع الطلاق والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>