أخبرتنا بالقتال لنأخذ العُدَّة، فجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال. وفي قوله تعالى: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ ثلاثة أقوال: أحدهما: تبيَّن لهم فرضُه. والثاني: تبيَّن لهم صوابه. والثالث: تبيَّن لهم أنك لا تفعل إلا ما أُمِرتَ به. وفي «المجادلين» قولان: أحدهما: أنهم طائفة من المسلمين، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنهم المشركون، قاله ابن زيد، فعلى هذا، يكون جدالهم في الحق الذي هو التوحيد، لا في القتال. فعلى الأول، يكون معنى قوله تعالى: كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ أي: في لقاء العدو وَهُمْ يَنْظُرُونَ، لأن أشد حال من يساق إلى الموت أن يكون ناظراً إليه، وعالماً به. وعلى قول ابن زيد:
كأنما يساقون إلى الموت حين يُدعَوْن إلى الإسلام لكراهتهم إيّاه.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧ الى ٨]
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
قوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.
(٦١٤) قال أهل التفسير: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش، حتى إذا دنا من بدر، نزل جبريل فأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم بذلك، فخرج في جماعة من أصحابه يريدهم، فبلغهم ذلك فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثاً، فخرجت قريش للمنع عنها، ولحق أبو سفيان بساحل البحر، ففات رسولَ الله، ونزل جبريل بهذه الآية: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ.
والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين. والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال، وأبو جهل ومن معه من قريش فلما سبق أبو سفيان بما معه كتب إلى قريش: إن كنتم خرجتم لتُحرِزوا ركائبكم فقد أحرزتُها لكم. فقال أبو جهل: والله لا نرجع. وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلم يريد القوم. فكره أصحابه ذلك وودُّوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال فذلك قوله: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي: ذاتِ السلاح. يقال: فلان شاكي السلاحِ بالتخفيف، وشاكٌّ في السلاح بالتشديد، وشائك. قال أبو عبيدة: ومجاز الشوكة الحد يقال: ما أشد شوكةَ بني فلان، أي: حَدَّهم. وقال الأخفش: إنما أنَّث «ذات الشوكة» لأنه يعني الطائفة.
قوله تعالى: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ في المراد بالحق قولان «١» : أحدهما: أنه الإسلام، قاله
أخرجه الطبري ١٥٧٣٢ من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس كل قد حدثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع ... فذكره بنحوه وأتم. وانظر «تفسير ابن كثير» ٢/ ٣٦٠ بتخريجنا.