والثالث: أنه المسبِّح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع: أنه المطيع لله تعالى، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والخامس: أنه الذي يَذْكر ذَنْبه في الخلاء، فيستغفر اللهَ منه، قاله عُبيد بن عُمير. والسادس: أنه المُقْبل إلى الله تعالى بقلبه وعمله، قاله الحسن. والسابع: المصلِّي، قاله قتادة.
والثامن: هو الذي يصلِّي بين المغرب والعشاء، قاله ابن المنكدِر. والتاسع: الذي يصلّي صلاة الضُّحى، قاله عَون العُقيلي. والعاشر: أنه الذي يُذْنِب سِرّاً ويتوب سِرّاً، قاله السّديّ.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)
قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فيه قولان «١» : أحدهما: أنه قرابة الرجل من قبَل أبيه وأُمِّه، قاله ابن عباس، والحسن، فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد به: بِرُّهم وصِلَتهم.
والثاني: النَّفقة الواجبة لهم وقت الحاجة. والثالث: الوصيَّة لهم عند الوفاة.
والثاني: أنهم قرابة الرسول، قاله علي بن الحسين عليهما السلام والسدي. فعلى هذا، يكون حقهم: إِعطاؤهم من الخُمس، ويكون الخطاب للوُلاة.
قوله تعالى: وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يكون المراد: الصدقات الواجبة، يعني، الزكاة، ويجوز أن يكون الحقّ الذي يلزمه إعطاؤه عند الضرورة إِليه. وقيل: حق المسكين، من الصدقة، وابن السبيل، من الضيافة.
قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً في التبذير قولان: أحدهما: أنه إِنفاق المال في غير حق، قاله ابن مسعود، وابن عباس. وقال مجاهد: لو أنفق الرجل ماله كلَّه في حقٍّ، ما كان مبذِّراً، وأنفق مُدّاً في غير حق، كان مبذِّراً. قال الزجاج: التبذير: النفقة في غير طاعة الله، وكانت الجاهلية تنحر الإِبل وتبذِّر الأموال تطلب بذلك الفخر والسّمعة، فأمر الله عزّ وجلّ بالنفقة في وجهها فيما يقرِّب منه. والثاني: أنه الإِسراف المتلفِ للمال، ذكره الماوردي. وقال أبو عبيدة: المبذِّر: هو المُسرف المُفسد العائث. قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إِليه، ويشاكلونهم في معصية الله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي: جاحداً لنِعَمه. وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنِّعم.
قوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ في المشار إِليهم أربعة أقوال: أحدها: أنهم الذين تقدَّم ذِكْرُهم من الأقارب والمساكين وأبناء السبيل، قاله الأكثرون، فعلى هذا في علَّة هذا الإِعراض قولان:
أحدهما: الإِعسار، قاله الجمهور. والثاني: خوف إِنفاقهم ذلك في معصية الله، قاله ابن زيد. وعلى هذا في الرحمة قولان: أحدهما: الرزق، قاله الأكثرون. والثاني: أنه الصلاح والتوبة. هذا على قول ابن زيد. والثاني: أنهم المشركون، فالمعنى: وإِما تعرضَنَّ عنهم لتكذيبهم، قاله سعيد بن جبير.
فتحتمل إذاً الرحمة وجهين: أحدهما: انتظار النّصر عليهم. والثاني: الهداية لهم.
(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٨/ ٦٧: وأولى التأولين عندي بالصواب تأويل من تأوّل ذلك أنها بمعنى وصية الله عباده بصلة قرابات أنفسهم وأرحامهم من قبل آبائهم وأمهاتهم.