«أنْ لعنةُ الله» و «أنْ غضبُ الله» بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من «لعنةُ» والباء من «غضبُ» ، إِلا أن نافعاً كسر الضاد من «غَضِبَ» وفتح الباء. قوله تعالى: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا أي: ويَدفع عنها الْعَذابَ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الحَدُّ. والثاني: الحبس ذكرهما ابن جرير. والثالث: العار.
قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي: ستره ونعمته. قال الزجاج: وجواب «لولا» ها هنا متروك، والمعنى: لولا ذلك لنال الكاذبَ منكم عذابٌ عظيم، وقال غيره: لولا فضل الله لبيّن الكاذب من الزوجين فأُقيم عليه الحدّ، وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة حَكِيمٌ فيما فرض من الحدود.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ١١ الى ٢٠]
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠)
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها، وفي حديث الإِفك أن هذه الآية إِلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة. وقد ذكرنا حديث الإِفك في كتاب «الحدائق» وفي كتاب «المغني في التفسير» فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ليحفظ. فأما الإِفك، فهو الكذب، والعصبة: الجماعة. ومعنى قوله تعالى:
مِنْكُمْ أي: من المؤمنين.
(١٠٢٦) وروى عروة عن عائشة أنها قالت: هم أربعة: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل.
قوله تعالى: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطّل،
صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٧٠ ح ٥٨ والترمذي ٣١٨٠ من طريق أبي أسامة عن هشام عن عروة عن عائشة، وهو طرف حديث. وانظر «أحكام القرآن» ١٥٦٦ بتخريجنا. وحديث الإفك، حديث صحيح مشهور. أخرجه البخاري ٢٦٦١ و ٤١٤١ و ٤٧٥٠، و ٦٦٧٩ ومسلم ٢٧٧٠ وأبو داود ٤٧٣٥ والترمذي ٣١٨٠ والنسائي في «عشرة النساء» ٤٥ وعبد الرزاق ٩٧٤٨ وأحمد ٦/ ١٩٧ وأبو يعلى ٤٩٢٧ و ٤٩٣٣ وابن حبان ٤٢١٢ والطبراني ٢٣/ ١٣٤ والبيهقي ٧/ ٣٠٢ من طرق كلهم من حديث عائشة.