للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أي: دعا ربَّه أَنِّي وقرأ أبو عمران الجوني: «إِني» بكسر الهمزة، مَسَّنِيَ الضُّرُّ وقرأ حمزة: «مَسَّنِيْ» بتسكين الياء، أي: أصابني الجَهْد، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي: أكثرهم رحمة، وهذا تعريض منه بسؤال الرحمة إِذ أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت.

الإِشارة إِلى قصته

ذكر أهل التفسير «١» أن أيوب عليه السلام كان أغنى أهل زمانه، وكان كثير الإِحسان. فقال إِبليس: يا رب سلِّطني على ماله وولده- وكان له ثلاثة عشر ولداً- فإن فعلتَ رأيتَه كيف يُطيعني ويَعصيكَ، فقيل له: قد سلَّطْتُكَ على ماله وولده، فرجع إِبليس فجمع شياطينه ومردته، فبعث بعضهم إِلى دوابِّه ورعاته، فاحتملوها حتى قذفوها في البحر، وجاء إِبليس في صورة قيِّمه، فقال: يا أيوب ألا أراك تصلِّي وقد أقبلتْ ريح عاصف فاحتملت دوابَّك ورعاتها حتى قذفَتْها في البحر؟ فلم يردَّ عليه شيئاً حتى فرغ من صلاته، ثم قال: الحمد لله الذي رزقني ثم قبله مِنِّي، فانصرف خائباً، ثم أرسل بعض الشياطين إِلى جنانه وزروعه، فأحرقوها، وجاء فأخبره، فقال مثل ذلك، فأرسل بعض الشياطين فزلزلوا منازل أيوب وفيها ولده وخدمه، فأهلكوهم، وجاء فأخبره، فحمد الله، وقال لإِبليس وهو يظنه قيِّمه في ماله: لو كان فيكَ خير لقبضكَ معهم، فانصرف خائباً، فقيل له: كيف رأيتَ عبدي أيوب؟ قال: يا ربِّ سلِّطني على جسده فسوف ترى، قيل له قد سلَّطْتُكَ على جسده فجاء فنفخ في إِبهام قدميه، فاشتعل فيه مثل النار، ولم يكن في زمانه أكثر بكاءً منه خوفاً من الله تعالى، فلما نزل به البلاء لم يبكِ مخافة الجزع، وبقي لسانُه للذِّكر، وقلبه للمعرفة والشُّكر، وكان يرى أمعاءه وعروقه وعظامه، وكان مرضه أنه خرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم ووقعت به حكّة لا يملكها، فحكَّ بأظفاره حتى سقطت، ثم بالمسوح، ثم بالحجارة، فأنتن جسمه وتقطَّع، وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشاً على كُناسة، ورفضه الخلق سوى زوجته، واسمها رحمة بنت إِفراييم بن يوسف بن يعقوب، فكانت تختلف إِليه بما يصلحه. وروى أبو بكر القرشي عن الليث بن سعد، قال: كان ملك يظلم الناس، فكلَّمه في ذلك جماعة من الأنبياء، وسكت عنه أيوب لأجل خيل كانت له في سلطانه، فأوحى الله إِليه: تركتَ كلامَه من أجل خيلك؟! لأطيلنَّ بلاءك. واختلفوا في مدة لبثه في البلاء على أربعة أقوال:

(٩٩٣) أحدها: ثماني عشرة سنة، رواه أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم.


غريب. أخرجه البزار ٢٣٥٧ «كشف» وأبو يعلى ٣٦١٧ وابن حبان ٢٨٩٨ والحاكم ٢/ ٥٨١ والطبراني «الطوال» ٤٠ وأبو نعيم ٣/ ٣٧٤- ٣٧٥ من حديث أنس، ورجاله رجال البخاري ومسلم، وقال الحاكم على شرطهما!، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي ١٣٨٠٠: رجال البزار رجال الصحيح اه. وقال أبو نعيم: غريب من حديث الزهري لم يروه إلا عقيل، ورواته متفق على عدالتهم. ومع ذلك استغربه ابن كثير في «تفسيره» ٣/ ٢٣٩.
وانظر «البداية والنهاية» ١/ ٢٢٢- ٢٢٣ و «الإحسان» ٢٨٩٨. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٦٣٦ بتخريجنا، والراجح وقفه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>