للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يوجب أن تكون نفوسهم قد حدَّثتْهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا. وقيل: إِنما قالوا ذلك، لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جداً.

قوله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ قال ابن الأنباري: إِنما قال: «أحدَكم» ، ولم يقل: واحدَكم، لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظَّم، فان العرب تقول: رأيت أحد القوم، ولا يقولون: رأيت واحد القوم، إِلا إِذا أرادوا المعظَّم، فأراد بأحدهم: بعضَهم، ولم يُرِد شريفهم.

قوله تعالى: بِوَرِقِكُمْ قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم:

«بِوَرِقِكُم» الراء مكسورة خفيفة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم ساكنة الراء. وعن أبي عمرو: «بورقكم» مدغمة يُشِمُّها شيئاً من التثقيل قال الزجاج: تصير كافاً خالصة. قال الفراء: الوَرِق لغة أهل الحجاز، وتميم يقولون: الوَرْق، وبعض العرب يكسرون الواو، فيقولون: الوِرْق. قال ابن قتيبة. الوَرِق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم، يدلك على ذلك حديث عَرْفَجَة أنه اتخذ أنفاً من وَرِق. قوله تعالى: إِلَى الْمَدِينَةِ يعنون التي خرجوا منها، واسمها دقسوس، ويقال: هي اليوم طرسوس. قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها قال الزجاج: المعنى: أيُّ أهلها أَزْكى طَعاماً، وللمفسرين في معناه ستة أقوال: أحدها: أَحَلُّ ذبيحة، قاله ابن عباس، وعطاء، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفاراً، فكانوا يذبحون للطواغيت، وكان فيهم قوم يُخفون إِيمانهم. والثاني: أَحَلُّ طعاماً، قاله سعيد بن جبير قال الضّحّاك: وكان أكثر أموالهم غصوباً. وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم: لا تبتعْ طعاماً فيه ظلم ولا غصب. والثالث: أكثر، قاله عكرمة. والرابع: خير، أي: أجود، قاله قتادة. والخامس: أطيب، قاله ابن السائب، ومقاتل. والسادس: أرخص، قاله يمان بن رئاب. قال ابن قتيبة: وأصل الزكاء: النماء والزيادة.

قوله تعالى: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ أي: بما تأكلونه. وَلْيَتَلَطَّفْ أي: ليدقِّق النظر فيه، وليحتلْ لئلا يُطَّلَع عليه. وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أي: ولا يُخْبِرَنَّ أحداً بمكانكم. إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا أي: يطَّلعوا ويُشرفوا عليكم، يَرْجُمُوكُمْ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: يقتلوكم، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: يقتلوكم بالرجم. والثاني: يرجموكم بأيديهم، استنكاراً لكم، قاله الحسن. والثالث: بألسنتهم شتماً لكم، قاله مجاهد، وابن جريج.

قوله تعالى: أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أي: يردُّوكم في دينهم، وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً أي: إِن رجعتم في دينهم، لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٢١]]

وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)

قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي: وكما أنمناهم وبعثناهم، أطلعنا وأظهرنا عليهم. قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن من عَثَر بشيء وهو غافل، نظر إِليه حتى يعرفه، فاستعير العِثار مكان التبيين والظهور، ومنه قول الناس: ما عثرت على فلان بسوءٍ قط، أي: ما ظهرت على ذلك منه. قوله تعالى:

لِيَعْلَمُوا في المشار إِليهم بهذا العلم قولان: أحدهما: أنهم أهل بلدهم حين اختصموا في البعث،

<<  <  ج: ص:  >  >>