دخول الواو دلالة على الآمر بالمعروف، لأن الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النهي عن المنكر، كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السائحين، والسائحون بالسياحة دون الحامدين، ويدل أيضاً على أن العرب تنسق النعت على النعت والمنعوت واحد، كقول الشاعر يخاطب سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان:
يَظُنُّ سعيدٌ وابنُ عمروٍ بأننَّي ... إِذا سامَني ذلاً أكونُ به أرْضَى
فنسق ابن عمرو على سعيد، وهو سعيد.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩)
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي «أني» بفتح الألف، والتقدير: أرسلناه بأني، وكأن الوجه بأنه لهم نذير، ولكنه على الرجوع من الإِخبار عن الغائب إِلى خطاب نوح لقومه. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة «إِني» بكسر الألف، فحملوه على القول المضمر، والتقدير: فقال لهم: إِني لكم نذير.
قوله تعالى: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي: إِنساناً مثلنا، لا فضل لك علينا. فأما الأراذل، فقال ابن عباس: هم السَّفَلة. وقال ابن قتيبة: هم جمع «أرذل» ، يقال: رجل رَذْل، وقد رَذُل رذالة ورُذُولة.
ومعنى: الأراذل: الشرار.
قوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ قرأ الأكثرون «بادِيَ» بغير همز. وقرأ أبو عمرو بالهمز بعد الدال.
وكلهم همز «الرأي» غير أبي عمرو. وللعلماء في معنى «بادي» إذا لم يُهمز ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: ما نرى أتباعك إِلا سفلتنا وأرذالنا في بادي الرأي لكل ناظر، يعنون أن ما وصفناهم به من النقص لا يخفى على أحد فيخالفنا، هذا مذهب مقاتل في آخرين.
والثاني: أن المعنى أن هؤلاء القوم اتَّبعوك في ظاهر ما يُرى منهم، وطويَّتُهم على خلافك.
والثالث: أن المعنى: اتبعوك في ظاهر رأيهم، ولم يتدبروا ما قلتَ، ولو رجعوا إِلى التفكر لم يتبعوك، ذكر هذين القولين الزجاج. قال ابن الأنباري: وهذه الثلاثة الأقوال على قراءة من لم يهمز، لأنه مِن بدا، يبدو: إذا ظهر. فأمّا من همز «بادئ» فمعناه: ابتداء الرأي، أي: اتَّبعوك أول ما ابتدءوا ينظرون، ولو فكروا لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك.
قوله تعالى: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من فضل في الخلق، قاله ابن عباس. والثاني: في الملك والمال ونحو ذلك، قاله مقاتل. والثالث: ما فُضِّلتم باتِّباعكم نوحاً، ومخالفتكم لنا بفضيلة نتبعكم طلبا لها، ذكره أبو سليمان الدّمشقي.