القول يحمل وجهين: أحدهما: أنَّهم كانوا يرجون القُرْبَ من الله بعبادة الأصنام، فلمّا عُوقِبوا عليها، بدا لهم ما لم يكونوا يحتَسِبون. والثاني: أنَّ البعثَ والجزاءَ لم يكن في حسابهم. وروي عن محمد بن المنكدر أنه جَزِع عند الموت وقال: أخشى هذه الآية أن يبدو لي ما لا أحتَسِب. قوله تعالى: وَحاقَ بِهِمْ أي: نزل بهم ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: ما كانوا ينكرونه ويكذّبون به.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
قوله تعالى: فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا قال مقاتل: هو أبو حذيفة بن المغيرة، وقد سبق في هذه السورة نظيرها «١» . وإنما كنّى عن النّعمة بقوله تعالى: أُوتِيتُهُ، لأن المراد بالنِّعمة: الإنعام.
عَلى عِلْمٍ عندي، أي: على خيرٍ عَلِمَهُ اللهُ عندي. وقيل: على عِلْمٍ مِنَ الله بأنِّي له أهلٌ، قال الله تعالى: بَلْ هِيَ يعني النِّعمة التي أنعم اللهُ عليه بها فِتْنَةٌ أي: بلوى يُبْتَلى بها العبدُ لِيَشْكُرَ أو يكفُر، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن ذلك استدراج لهم وامتحان. وقيل: «بل هي» أي: المقالة التي قالها «فتنةٌ» . قَدْ قالَهَا يعني تلك الكلمة، وهي قوله عزّ وجلّ: «إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وفيهم قولان: أحدهما: أنَّهم الأًمم الماضية، قاله السدي. والثاني: قارون، قاله مقاتل.
قوله تعالى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ أي: ما دفع عنهم العذاب ما كانُوا يَكْسِبُونَ وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من الكفر. والثاني: من عبادة الأصنام. والثالث: من الأموال. فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أي: جزاءُ سيِّئاتهم، وهو العذاب. ثم أوعد كُفَّار مكَّة، فقال: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: إِنهم لا يُعْجِزونَ الله ولا يَفوتونه. قال مقاتل: ثم وعظهم لِيَعْلَموا وحدانيتَّه حين مُطِروا بعد سبع سنين، فقال: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ أي: في بَسْطِ الرِّزق وتقتيره لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥)
قوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ في سبب نزولها أربعة أقوال:
(١٢٣٢) أحدها: أن ناساً من المشركين كانوا قد قَتلوا فأكثَروا، وزنَوا فأكثَروا، ثم أتَوا رسولَ
صحيح. أخرجه البخاري ٤٨١٠ عن إبراهيم بن موسى بن عن ابن عباس وأخرجه مسلم ١٢٢ وأبو داود