قوله تعالى: فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: سوَّاه وهيَّأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت. والثاني: قَدَّر له ما يُصلحه ويُقيمه. والثالث: قدَّر له تقديراً من الأجَل والرِّزق.
ثم ذكر ما صنعه المشركون، فقال: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يعني: الأصنام لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أي: وهي مخلوقة وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا أي: دَفْع ضرّ، ولا جَرّ نفع، لأنها جماد لا قُدرة لها وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً أي: لا تملك أن تُميت أحداً، ولا أن تحيي أحداً، ولا أن تبعث أحداً من الأموات والمعنى: كيف يعبُدون ما هذه صفته، ويتركون عبادةَ من يقدر على ذلك كلِّه؟!
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤ الى ٦]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦)
قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: مشركي قريش وقال مقاتل: وهو قول النَّضْر بن الحارث من بني عبد الدار إِنْ هَذا أي: ما هذا، يعنون القرآن إِلَّا إِفْكٌ أي: كذب افْتَراهُ أي: اختلقه من تلقاء نفسه وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ قال مجاهد: يعنون اليهود وقال مقاتل: أشاروا إلى عدّاس مولى حويطب، ويسار غلام عامر بن الحضرمي، وجبر مولى لعامر أيضاً، وكان الثلاثة من أهل الكتاب.
قوله تعالى: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. قال الزّجّاج: المعنى فقد جاءوا بظلم وزور فلما سقطت الباء، أفضى الفعل فنصب، والزُّور: الكذب. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ المعنى: وقالوا: الذي جاء به أساطير الأولين، وقد بيَّنَّا ذلك في (الأنعام) «١» . قال المفسرون: والذي قال هذا هو النضر بن الحارث.
ومعنى اكْتَتَبَها أَمر أن تُكْتَب له. وقرأ ابن مسعود، وإِبراهيم النخعي، وطلحة بن مصرف:
«اكْتُتِبَها» برفع التاء الأولى وكسر الثانية، والابتداءُ على قراءتهم برفع الهمزة، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ أي:
تُقرَأ عليه ليحفظها لا ليكتبها، لأنه لم يكن كاتباً، بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي: غُدوة وعشيّاً. قُلْ لهم يا محمد: أَنْزَلَهُ يعني: القرآن الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ أي: لا يخفى عليه شيء فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧ الى ٩]
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩)
قوله تعالى: وَقالُوا يعني المشركين مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ أنكروا أن يكون الرسول بَشَراً يأكل الطعام ويمشي في الطُّرق كما يمشي سائر الناس يطلب المعيشة والمعنى: أنه ليس بملَك ولا ملِك، لأن الملائكة لا تأكل، والملوك لا تتبذَّل في الأسواق، فعجبوا أن يكون مساوياً للبشر لا يتميَّز عليهم بشيء وإِنما جعله الله بشراً ليكون مجانساً للذين أُرسل إِليهم، ولم يجعله ملِكاً يمتنع
(١) الأنعام: ٢٥.