للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي رواية: ترث أُمَّة محمد أرض الدنيا بالفتوح. والثاني: بنو إِسرائيل، قاله ابن السائب. والثالث: أنه عامّ في كل صالح، قاله بعض فقهاء المفسرين.

قوله تعالى: إِنَّ فِي هذا يعني: القرآن لَبَلاغاً أي: لَكِفاية والمعنى: أن من اتَّبع القرآن وعمل به، كان القرآن بلاغه إِلى الجنة. وقوله تعالى: لِقَوْمٍ عابِدِينَ قال كعب: هم أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم الذين يصلُّون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان. قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قال ابن عباس: هذا عامّ للبَرِّ والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به صُرفت عنه العقوبة إِلى الموت والقيامة. وقال ابن زيد: هو رحمة لمن آمن به خاصّة.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٨ الى ١١٢]

قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)

قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال ابن عباس: فهل أنتم مخلِصون له العبادة؟ قال أهل المعاني: هذا استفهام بمعنى الأمر.

قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: أَعْرَضُوا ولم يؤمنوا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ في معنى الكلام قولان: أحدهما: نابذتُكم وعاديتُكم وأعلمتُكم ذلك، فصرتُ أنا وأنتم على سواءٍ قد استوينا في العلم بذلك، وهذا من الكلام المختصر، قاله ابن قتيبة. والثاني: أعلمتكم بالوحي إِليَّ لتستووا في الإِيمان به، قاله الزجاج. قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أي: وما أدري أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ بنزول العذاب بكم. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وهو ما يقولونه للنبيّ صلى الله عليه وسلّم مَتى هذَا الْوَعْدُ «١» ، وما تَكْتُمُونَ إِسرارُهم أن العذاب لا يكون.

قوله تعالى: لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ في هاء «لَعَلَّه» قولان «٢» : أحدهما: أنها ترجع إِلى ما آذنهم به، قاله الزجاج. والثاني: إِلى العذاب فالمعنى: لعل تأخير العذاب عنكم فتنة، قاله ابن جرير، وأبو سليمان الدّمشقي. ومعنى الفتنة ها هنا: الاختبار، وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ أي: تستمتعون إلى انقضاء آجالكم.

وقل رَبِّ وروى حفص عن عاصم: قالَ رَبِّ احْكُمْ قرأ أبو جعفر: «ربُّ احكم» بضم الباء.


(١) سورة يس: ٤٨.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٥٥: وقوله: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ، أي: هو واقع لا محالة، ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده، وقوله وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ أي: وما أدري لعل هذا فتنة لكم ومتاع إلى حين. قال ابن جرير: لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم، ومتاع إلى أجل مسمّى.
وحكاه عن ابن عباس والله أعلم. قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي: افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق وقوله وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ على ما يقولون ويفترون من الكذب، ويتنوعون في مقامات التكذيب والإفك والله المستعان عليكم في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>