للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الظِّل ذو ثلاث شعب الذي ذكره الله تعالى في المرسلات «١» ، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا أي: مما هم فيه من العذاب وشدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ وفيه سبعة أقوال: أحدها: أنه ماءٌ غليظٌ كدُرْدِيِّ الزيت، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنه كل شيء أذيب حتى انماع، قاله ابن مسعود، وقال أبو عبيدة، والزجّاج: كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص أو نحو ذلك، فهو مُهل. والثالث: قيح ودم أسود كعكر الزيت، قاله مجاهد. والرابع: أنه الفضة والرصاص يذابان، روي عن مجاهد أيضاً. والخامس: أنه الذي قد انتهى حَرُّه، قاله سعيد بن جبير. والسادس: أنه الصَّديد، ذكره ابن الأنباري. قال مُغيث بن سُمي: هذا الماء هو ما يسيل من عَرَق أهل الموقف في الآخرة وبكائهم، وما يجري منهم من دم وقيح، يسيل ذلك إِلى وادٍ في جهنم، فتطبخه جهنم، فيكون أول ما يُغاث به أهل النار. والسابع: أنّه الرّماد الذي ينفذ عن الخُبزة إِذا خرجت من التَّنُّور، حكاه ابن الأنباري.

قوله تعالى: يَشْوِي الْوُجُوهَ قال المفسرون: إِذا قرَّبه إِليه سقطت فروة وجهه فيه «٢» . ثم ذمَّه، فقال بئس الشراب وساءت النار مُرْتَفَقاً وفيه خمسة أقوال: أحدها: منزلاً، قاله ابن عباس. والثاني:

مجتمعاً، قاله مجاهد. والثالث: متَّكأً، قاله أبو عبيدة، وأنشد لأبي ذؤيب:

إِني أرِقْت فبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقاً ... كأنَّ عَيْنِيَ فِيها الصَّابُ مَذْبُوحُ

«٣» وذبحه: انفجاره قال الزّجّاج: «مرتفقا» منصوب على التّمييز. أي متَّكأً على المِرفق.

والرابع: ساءت مجلساً قاله ابن قتيبة. والخامس: ساءت مطلباً للرفق، لأن من طلب رِفقاً من جهتها، عَدِمه، ذكره ابن الأنباري. ومعاني هذه الأقوال تتقارب. وأصل المرفق في اللغة: ما يرتفق به.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٠ الى ٣١]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «٤» قال الزّجّاج: خبر «إن» ها هنا على ثلاثة


(١) سورة المرسلات: ٣٠.
(٢) حديث ضعيف، وورد مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: بِماءٍ كَالْمُهْلِ قال: «كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه» . أخرجه الترمذي ٢٥٨١ و ٣٣٢٢ والطبري ٢٣٠٣٩ والحاكم ٢/ ٥٠١ وابن حبان ٧٤٧٣ والبيهقي في «البعث» ٥٥٠ من طرق عن أبي سعيد الخدري. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي! مع أن مداره على دراج، وهو ضعيف الحديث، وأخرجه أحمد ٣/ ٧٠- ٧١ وأبو يعلى ٣٧٥ والواحدي ٣/ ١٤٦ من طريق الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج به. [.....]
(٣) البيت في ديوان «الهذليين» ١/ ١٠٤ و «اللسان» - صوب-.
والصّاب: عصارة شجر مرّ، إذا وقعت قطرة في العين كأنها شهاب نار، وربما أضعف البصر.
(٤) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٠٦: لما ذكر الله تعالى حال الأشقياء ثنّى بذكر السعداء الذين آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين فيما جاءوا به، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة فلهم جَنَّاتُ عَدْنٍ، والعدن: الإقامة. ونعمت الجنّة ثوابا على أعمالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>