الخِلْقة. وقال ابن عباس: جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد قطط حين طرَّ شاربه. وقرأ أبو نهيك وأبو حيوة: «فأرسلنا إليها روحنا» بفتح الراء.
قوله تعالى: قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
المعنى: إِن كنتَ تتَّقي الله، فستنتهي بتعوُّذي منك، هذا هو القول عند المحققين، وحكي عن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل اسمه تقي، وكان فاجراً، فظنتْه إِياه، ذكره ابن الأنباري، والماوردي. وفي قراءة عليّ رضي الله عنه، وابن مسعود، وأبي رجاء: «إِلا أن تكون تقيّاً» . قوله تعالى: قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
أي: فلا تخافي لِأَهَبَ لَكِ
قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «لأهب لك» بالهمز. وقرأ أبو عمرو، وورش عن نافع: «ليهب لك» بغير همز. قال الزجاج: من قرأ «ليهب» فالمعنى: أرسَلني ليهب ومن قرأ «لأهب» فالمعنى أُرسلتُ إِليكِ لأهب لكِ، وقال ابن الأنباري المعنى: أرسلني يقول لك: أرسلتُ رسولي إِليكِ لأهبَ لكِ.
قوله تعالى: غُلاماً زَكِيًّا
أي: طاهرا من الذنوب. والبغيّ: الفاجرة والزّانية. قال ابن الأنباري: وإِنما لم يقل: «بغيَّة» لأنه وصف يغلب على النساء، فقلَّما تقول العرب: رجل بغيّ، فيجري مجرى حائض، وعاقر. وقال غيره: إِنما لم يقل: «بغيَّة» لأنه مصروف عن وجهه، فهو «فعيل» بمعنى:
«فاعل» . ومعنى الآية: ليس لي زوج، ولستُ بزانية، وإِنما يكون الولد من هاتين الجهتين. قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ قد شرحناه في قصة زكريا، والمعنى: أنه يسيرٌ عليّ أن أهب لكِ غلاماً من غير أب. وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أي: دلالة على قدرتنا كونه من غير أب. قال ابن الأنباري: إِنما دخلت الواو في قوله: وَلِنَجْعَلَهُ لأنها عاطفة لِما بعدها على كلام مضمر محذوف، تقديره: قال ربُّكِ خَلْقُه عليّ هيِّن لننفعكِ به، ولنجعلَه عبرة.
قوله تعالى: وَرَحْمَةً مِنَّا أي: لمن تبعه وآمن به وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا أي: وكان خَلْقُه أمراً محكوماً به، مفروغاً عنه، سابقا في علم الله تعالى كونه.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
قوله تعالى: فَحَمَلَتْهُ يعني: عيسى. وفي كيفية حملها له قولان: أحدهما: أن جبريل نفخ في جيب دِرعها، فاستمرَّ بها حملها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال السدي: نفخ في جيب درعها وكان مشقوقاً من قُدَّامها، فدخلت النفخة في صدرها فحملت من وقتها. والثاني: أنّ الذي خاطبها هو الذي حملته، ودخل مِنْ فيها، قاله أبيّ بن كعب «١» .
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٤٦ بعد أن ذكر الحديث عن أبي بن كعب: وهذا في غاية الغرابة والنكارة، وكأنه إسرائيلي.