للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عابديها فظهرت فضيحتهم يومئذٍ إِذْ عبدوا مَن لم يعلم بعبادتهم وذلك كقوله: سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ «١» .

قوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ المعنى: أنهم استسلموا له. وفي المشار إِليهم قولان:

أحدهما: أنهم المشركون، قاله الأكثرون. ثم في معنى استسلامهم قولان: أحدهما: أنهم استسلموا له بالإِقرار بتوحيده وربوبيته. والثاني: أنهم استسلموا لعذابه. والثاني: أنهم المشركون والأصنام كلُّهم.

قال الكلبي: والمعنى: أنهم استسلموا لله منقادين لحُكمه.

قوله تعالى: وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ فيه قولان: أحدهما: بَطَل قولهم أنها تشفع لهم.

والثاني: ذهب عنهم ما زيَّن لهم الشّيطان أنّ لله شريكا وولدا.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)

قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال ابن عباس: منعوا النَّاس من طاعة الله والإِيمان بمحمد. قوله تعالى: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ إِنما نكَّر العذاب الأول، لأنه نوع خاص لقوم بأعيانهم، وعرَّف العذاب الثاني، لأنه العذاب الذي يعذَّب به أكثر أهل النار، فكان في شهرته بمنزلة النار في قول القائل: نعوذ بالله من النار، وقد قيل: إِنما زِيدوا هذا العذاب على ما يستحقونه من عذابهم، بصدِّهم عن سبيل الله. وفي صفة هذا العذاب الذي زِيدوا أربعة أقوال: أحدها: أنها عقارب كأمثال النخل الطوال، رواه مسروق عن ابن مسعود. والثاني: أنها حيَّات كأمثال الفِيَلَة، وعقارب كأمثال البغال، رواه زرٌّ عن ابن مسعود. والثالث: أنها خمسة أنهار من صُفْر «٢» مُذَابٍ تسيل من تحت العرش يعذَّبون بها، ثلاثة على مقدار الليل، واثنان على مقدار النهار، قاله ابن عباس. والرابع: أنه الزمهرير، ذكره ابن الأنباري. قال الزّجّاج: يخرجون من حرّ الزمهرير، فيتبادرون من شدة برده إِلى النار.

قوله تعالى: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم قومه، قاله ابن عباس. والثاني: أُمَّته قاله مقاتل. وتمّ الكلام ها هنا. ثم قال: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً قال الزجاج: التبيان: اسم في معنى البيان. فأما قوله تعالى: لِكُلِّ شَيْءٍ فقال العلماء بالمعاني: يعني:

لكل شيء من أمور الدين، إِما بالنص عليه، أو بالإِحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين.


(١) سورة مريم: ٨٣.
(٢) في «اللسان» : الصّفر: النحاس الجيد وقيل: ضرب من النحاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>